الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الرماد اللبناني وخيارات حزب الله بقلم:عادل بن مليح

تاريخ النشر : 2011-08-27
لبنان والرماد الساخن
(عادل بن مليح )

هناك رماد ساخن تحت التراب اللبناني بطله هذه المرة حزب الله , وبغض النظر عن سير التحقيقات أو الاعتراضات أو التهديدات وحتى التوقعات إلا أن ثمة أحجار يجب أن ترص بطريقة معينة , وأن القائمين خلف تلك العملية ماضون في إتمامها برغم ما حدث وما سيحدث , وربما أهمها الاستناد لقاعدة أن القرار الاتهام هو قرار سياسي أملته الإرادة الأمريكية والصهيونية وذلك ضد المقاومة وما تستهدفه من قتلها وتجريدها من سلاحها المؤرق لإسرائيل ربما , وبرؤية أخرى كما عبر حزب الله بأن قرار الاتهام هو " قوس عبور لوصايات دولية على لبنان"
وكانت المحكمة الدولية قد اتهمت في 30 يونيو الماضي كل من مصطفى بدر الدين وسليم عياش وحسين عنيسي وأسد صبرا الذين ينتمون إلى "حزب الله" وطلبت من السلطات اللبنانية توقيفهم وهو الأمر الذي رفضه الحزب متهما المحكمة بأنها
" أمريكية/إسرائيلية ومسيسة وفاقدة للمصداقية " .

وحزب الله لم يتوانى عن اتهام إسرائيل بعملية الاغتيال , بل وحتى اتهام الأمريكيين والإسرائيليين بصياغة القرار ألاتهامي , وتبقى مسألة المستفيد من إزاحة الحريري محل تساؤلات بين حزب الله والإسرائيليين محل استفهام غامض , فما الخطر الذي يمثله الحريري لإسرائيل , أم أن الإسرائيليين قصدوا من وراء ذلك اتهام حزب الله كخطوة أولى لتأليب الرأي العام اللبناني ضده مما يعتبر الخطوة الأهم لإزاحته عن الخارطة السياسية للمنطقة , أوليس الحريري كان معارضا للهيمنة السورية على لبنان , ثم أن حزب الله حليف قوي لسوريا , والكل يعلم أن حزب الله هو الذراع المكشوف لإيران في العالم العربي وربما إسرائيل وأمريكا وحتى العرب تتمنى قطع هذه الذراع لولا العقبة السورية .

وقد أورد حزب الله تقرير مفصل لسيناريو محتمل لطريقة قتل الحريري وخلاصته توجيه الرأي العام أن الحريري قتل عن طريق صاروخ ذكي أطلق من الجو في إشارة واضحة لقذف الكرة في الملعب الأمريكي الإسرائيلي ( صاروخ البانكر باستر ) .

ومما يؤيد فكرة أن لبنان مقبل على التهابات سياسية أو أن هناك من ينفخ تحت رمادها الساخن , وربما لخص تلك الفكرة قول السيّد رافي مادايان :
(إن تسريب القرار الاتهامي على دفعات هدفه تهيئة أجواء الفتنة بين السنة والشيعة في لبنان تماماً كما يتم الإيحاء به من قبل الدوائر الغربية والإعلام التابع له من أن الطائفة السنية في سوريا يحكمها أتباع الطائفة العلوية المدعومون من إيران الشيعة ) .
ولكن المشكلة الحقيقية أن المحكمة الدولية ماضية في عملها ورغم أن أصابع الاتهام تشير إلى بعض نشطاء حزب الله ومن ورائهم سورية ويبرز سؤال مهم وهو هل لدى المحكمة الدولية آلية لجلب أو القصاص من قتلة الحريري لو ثبت ذلك خارج الإطار الشرعي اللبناني ؟
وماذا سيكون موقف الشرعية اللبنانية لو طلب المتهمون للمثول أمام المحكمة ؟
وماذا لو أصر حزب الله على رفض القرارات الاتهامية وتسليم رجاله لهم ؟

لا شك أن هناك عقبات كأداء أما القضاء اللبناني لو طلب منه تبني التحقيقات بعيدا عن الحراك الدولي , فما تحت السطح اللبناني من رماد ساخن يجعل أي مسئول في لبنان يفكر ألف مرة قبل أن يتخذ قرارا فعليا نحو هذه القضية ويجب أن ينظر في كافة الاتجاهات الحزبية والطائفية والسياسية قبل أن يقرر .
إن طلب العض تنحية المحكمة الدولية بحجة الإملاءات الإسرائيلية والأمريكية يتطلب بديلا عربيا فاعلا , وكلنا يعرف جيدا أن هذا البديل غير موجود حاليا على الأقل , ولنا في غزو الكويت مثلا قريبا .

وفي ظل طلب رئيس المحكمة الخاصة باغتيال الحريري تسليم المتهمين الأربعة من عناصر حزب الله , وفي ظل تصريح الرئيس ميقاتي بأن "الحكومة التي التزمت في بيانها الوزاري، احترام القرارات الدولية، مستمرة في هذا الالتزام، لاسيما في ما خص عمل المحكمة الخاصة بلبنان والقضاء الدولي الذي نشر القرار الاتهامي في جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري ورفاقه، وهي خطوة متوقعة، في إطار الإجراءات التي تعتمدها المحكمة في ما خص التحقيق الدولي في الجريمة" , كما أن سعد الحريري قال في بيان له : "ما هو مطلوب من قيادة حزب الله يعني بكل بساطة الإعلان عن فك الارتباط بينها وبين المتهمين. وهذا موقف سيسجله التاريخ والعرب وكل اللبنانيين للحزب وقيادته، بمثل ما يمكن أن يسجل خلاف ذلك، إذا أرادوا الذهاب بعيدا في المجاهرة بحماية المتهمين" , كما حذر الحريري الحكومة اللبنانية من "محاولات التهرب من تحمل المسؤولية تجاه ملاحقة المتهمين وتحديد الجهات التي تعطل عملية الملاحقة وإلقاء القبض عليهم والامتناع عن تسليمهم إلى المحكمة الدولية" .

و تكمن المعضلة التي تنفخ في رماد التراب اللبناني أن حزب الله ذي الأغلبية في حكومة ميقاتي لن يرضخ لقرارات المحكمة الدولية كما صرح بذلك نصر الله , وفي نفس الوقت تعهد ميقاتي بالتعاون مع المحكمة والتزامه بتنفيذ قراراتها , فكيف ستحل هذه المعضلة ؟؟
وبرغم الشائكة التي تحوم حول المحكمة وتحقيقاتها وآلياتها والمعارضين لها والداعمين تظل الحقيقة غير واضحة أو غير متفق على صدق آليات التحقيق كالطعن في التسجيلات الهاتفية والتي يمكن اختراقها وتزيفها من قبل إسرائيل كما صرح نصر الله , وكنوعية التفجير وطريقته ومدى تأثيره , إلا أن هناك قوى لا يستهان بها ستقف مع تفعيل قرارات المحكمة والأخذ بنتائجها مهما كان الثمن .

ولكن هناك عوامل مهمة ستزيد من سخونة الرماد اللبناني , فأصابع إيران موجودة بين حجارة اللعبة , وقد صرحت صحيفة ''دير شبيغل'' فتقول إن ''محكمة الحريري الدولية لديها معلومات تظهر أن المتهمين الأربعة كانوا قد سافروا إلى إيران في عام 2004 وتدربوا على القيام بعمليات الاغتيال عدة أشهر في معسكر الإمام الخميني بالقرب من مدينة قم '' , وذهبت الصحيفة إلى أبعد من ذلك بإعلانها أن ثلاثة من المتهمين في ملف اغتيال رفيق الحريري خرجوا من لبنان متوجهين إلى إيران وأنهم يعيشون هناك في الوقت الحالي .
وما يجري حاليا في سوريا ليس ببعيد عن هذا المشهد السياسي , فسقوط البعث السوري يعني قص أحد الأذرعة الإيرانية في المنطقة , وربما كان من المقرر التخلص من حزب الله قبل نظام الأسد عبر سيناريو منطقي ربما يكون كالتالي :

يتهم حزب الله بقتل الحريري , ويطلب منه تسليم عناصره , فيرفض حزب الله , وتبدأ القوى المناهضة له بالضغط على الحكومة اللبنانية بالتدخل , وطبعا ستعجز الحكومة نظرا لتواجد الحزب بقوة في الحكومة , فتبدأ النار بالتحرك من تحت الرماد فهناك مطالب دولية مؤكدة بوعود حكومية لبنانية بالتعاون , وهناك عجز حكومي عن تنفيذ تلك الوعود , ثم الانفجار بعد عجز المفاوضات عن التوصل لحلول وسطية ترضي كافة الأطراف .

ما لذي سينتج عن هذه الكارثة ؟؟

- إما نهاية حزب الله ونهاية السلاح الخارج عن الشرعية الدولية كما ترى ذلك القوى العظمى .
- أو تدخل إيران وسوريا حماية للحزب المغلوب على أمره من قبل المعارضين والجيش والحكومة التي لن تواجه العالم من أجل حزب الله , مما سيخلق فوضى عارمة في المنطقة لن يعلم مداها إلا الله .
- أو انتصار حزب الله والسيطرة على لبنان قوة وسياسة , وتكوين محور إيراني سوري لبناني شيعي , ( محور شر جديد كما ينظر له العالم الغربي , وكما سيكون وبالا على المنطقة العربية والتي ستجد صعوبة في السيطرة على الهيمنة الإيرانية , خاصة في ظل غياب قوة كمصر ولو مؤقتا عن الساحة السياسية وانشغالها بمشاكلها مع الثورة , أي أن دول الخليج بالذات هي من سيدفع الثمن ) .

إن ترقب ما يحدث في سوريا سيكون له أكبر الأثر في القضية الحريرية , ففي حالة سقوط الأسد يعني فقد حزب الله لقوة مناصرة مما سيضعف موقفه في الداخل اللبناني , وبالتالي سيسهل افتراسه من قبل مناوئيه سواء أكان مظلوما أو مدانا بقتل الحريري , فالهدف الأسمى ليس الانتقام من الحريري بل تجريد حزب الله من كل عناصر القوة الداخلية والخارجية .

أما لو انتصر الأسد في معركته مع شعبه , فهذا يعني ظهور مارد جديد في المنطقة مدعوم إيرانيا ومن حزب الله , وسيبدأ الأسد الانتقام من كل من وقف ضده أثناء الثورة الشعبية , ولن يتوانى عن دعم حزب الله ولو باجتياح لبنان من جديد , ولربما تكون هزيمة الأسد مطلب دولي الآن أكثر منه في أي وقت آخر .

ماهي الخيارات أمام حزب الله في ظل المعطيات السابقة ؟؟

ربما سينتظر حزب الله ما تسفر عنه الأحداث في سوريا قبل أن يتخذ أي موقف كبير .
وربما سيضحي من كرامته ويسلم العناصر المتهمة إبقاء على الحزب أمام اللعبة الدولية التي (ربما) تحاك ضده من قبل قوى خارجية .


وربما سيكابر ويجابه لعبة هي أكبر منه مما سيكبد اللبنانيين كافة خسائر لا يعلم إلا الله مداها .

وربما ستتغير أحجار اللعبة جذريا فيما لو انتصر الأسد على ثواره .

وأخيرا : ربما سينتظر من إيران الخلاص والزج بالمنطقة في صيف ساخن وأكثر سخونة من صيف ثوراته المتفجرة .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف