الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

أهمية مراكز الأبحاث بقلم:هاشم حسن حسين الشهواني

تاريخ النشر : 2011-08-07
هاشم حسن حسين الشهواني

شهدت المنطقة العربية في العقود المتأخرة من القرن الماضي تزايد الاهتمام بمراكز الأبحاث والدراسات، فتزايدت اعدادها واهتماماتها، فلم يعد هناك دولة عربية تخلو من عدد من المراكز البحثية، وفي بعضها أخذت تظهر مراكز خاصة كمركز البزاز الثقافي في بغداد ومركز جمعة الماجد في ابو ظبي ومركز صقر وقد وجدت هذه بعد أن لاقت نظيراتها في الدول المتقدمة نجاحاً كبيراً، وظهرت لأول مرة في أوربا، واكتسبت مكانة مرموقة في الولايات المتحدة الأمريكية وأدت دورا بارزا في دعم مؤسسات صنع القرار السياسي، فازدادت أعدادها وكثرت مجالاتها وتخصصاتها وخاصة في الشؤون ألإستراتيجية والسياسات الخارجية.
تقوم هذه المراكز أو مؤسسات الفكر والرأي المعروفة بـ الثينك تانكس (Think Tanks) - او خزانات التفكير-. بإمداد أصحاب القرار السياسي ووسائل الإعلام بتحليلات ودراسات تتعلق بكل القضايا الهامة في البلدان المتقدمة، مما يجعلها عنصراً هاماً في تحديد أولويات القضايا التي تواجه تلك الدول، وتشارك كذلك في تحديد المسارات التي يجب أن تسلكها الحكومات في تعاملها مع هذه القضايا.
غير أن هذا الدور يكون مختلفا في الوطن العربي فبالإضافة إلى المعوقات والمصاعب التي تواجهها المراكز البحثية، فهي لم تأخذ مكانها الحقيقي ولم تمارس دورها الحيوي في المشاركة في صناعة القرار، أو في تقديم ما يلزم من المشورة أو الدراسات الرصينة لمتخذي القرار، ذلك ليس لأنها عاجزة عن أداء تلك المهمة، بل لأنها لم تنتدب ولم توكل إليها مثل هذه المهام، بسبب طبيعة الحياة السياسية العربية وطبيعة أنظمتها، وبعدها عن العمل المؤسساتي المعمول به في الغرب.
تنبثق ألأهمية والمكانة المتميزة للمؤسسات التي نحن بصددها من أهميتها التي أصبح وجودها من الضرورات المجتمعية الملحة في الوقت الراهن. فالتحديات التي تواجهها مجتمعاتنا على جميع المستويات الداخلية والخارجية، تفرض علينا ضرورة المواجهة والارتفاع إلى مستوى ألحدث ومواكبة التطور وامتلاك القدرة على المساهمة في صناعة المستقبل، وان لا نقنع دائماً في احتلال المقعد الخلفي في ركب الحضارة. فيما أخذنا بنظر الاعتبار ان مراكز البحوث والدراسات أصبح لها دور ريادي في قيادة العالم وأصبحت أداة لإنتاج العديد من المشاريع الإستراتيجية الفاعلة، وتستطيع رسم أُطر المشاركة والإسهام فيها إسهاما حراً وفاعلاً، ولقد ازداد عدد هذه المراكز في دول العالم لاسيما في أوربا والولايات المتحدة، وتنوعت تخصصاتها في مختلف الميادين السياسية والاقتصادية والإستراتيجية فضلاً عن وجود المراكز العلمية البحثية والتطبيقية،
إن الدور الأساسي المنوط بهذه المراكز يركز على تحليل الواقع وفقاً لمعطيات ومقدمات معينة، وتقديم رؤى مستقبلية من أجل النهوض بواقع جديد بعيداً عن الارتجال أو النظرة الأحادية. وأصبحت المراكز البحثية ومؤسسات الرأي بغض النظر عن هيكليتها جزءاً دائماً من المشهد السياسي وجزءاً لا يتجزأ من العملية السياسية في العديد من البلدان، حيث قامت هذه المؤسسات، على أنواعها، في الغرب بالعديد من الوظائف التي يمكن اجمالها بما يلي:

-1 القيام بالأبحاث والتحليلات حول مشاكل وقضايا سياسية هامة تخص الأمن القومي ومستقبل الأمم.
-2 تقديم المشورة حول الهموم السياسية العاجلة.
-3 تقييم البرامج الحكومية.
-4 تفسير السياسات الحكومية لوسائل الإعلام الإلكترونية والمطبوعة، وبذلك يسهل على عامة الناس تفهمها وكسب الدعم للمبادرات السياسية.
-5 تسهيل إنشاء "هيئات للقضايا" ( على نسق مؤتمر موسع او ندوة ) تُشرك تشكيلة منوعة من الباحثين والسياسيين يجتمعون بشكل مؤقت حول قضية سياسية أو مشكلة معينة.
6- تأمين عدد من الخبراء لتزويد الحكومة والمرافق الإدارية بالموظفين الأساسيين عند تغيير الحكومة، بالنسبة للدول الغربية .
من الناحية التاريخية نشأت مراكز الأبحاث في صورتها الأولى في الجامعات الأوربية في القرن الثامن عشر حيث أسس ما يعرف بـ )الكراسي العلمية) وكانت أولى هذه الكراسي تأسيس كراسي الدراسات الشرقية في بولونيا، وفي روما، وفي باريس، وقد ظهرت هذه الكراسي بالأساس تقليداً عما كان معمولاً به في العالم الإسلامي من وجود من يترأس الحلقات العلمية ومن يتصدر الإفتاء، كما أنشئت وقفيات نقلاً عن الوقفيات الإسلامية التي كان لها دور في تمويل المدارس العلمية التي كانت سائدة في العالم الإسلامي.
أنشئت أول وقفية في بريطانيا أسمها وقفية (ديمورنت( في جامعة أكسفورد لتشجيع الدراسات الدينية، وبهذا يعد إنشاء هذه الكراسي هي الإرهاصات الأولى لإنشاء المراكز البحثية في أوربا والولايات المتحدة والتي أطلق عليها اسم ثينك تاكس(Think Tanks) وترجمت الى العربية بصور مختلفة منها ( مراكز التفكير) وهناك من ترجمها (بنوك التفكير) أو (خزانات التفكير)، ولكن في الغالب يستخدم تعبير (مراكز الأبحاث والدراسات) للإشارة إلى (Think Tanks)، وفي بريطانيا استخدمت أثناء الحرب العالمية الثانية عبارة (brain boxes) صناديق الدماغ أو المخ.
ولم تكن لمراكز الأبحاث أو مؤسسات الفكر والرأي علاقة مباشرة بالسياسة وظلت هذه المراكز تنشأ وتنمو بعيدا عن السياسة إلى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر تقريباً، عندما بدأت تظهر خارج الجامعات وعندها أخذت تأخذ منحى آخر وهو تسخير العلم لخدمة السياسة، فظهر أول مراكز في بريطانيا سنة (1831 ( وهو المعهد الملكي للدراسات الدفاعية، ثم الجمعية الفابية سنة (1884).
وبعدها انتشرت في الولايات المتحدة الأمريكية إلى حد كبير نتيجة لدعم كبار المتبرعين والمثقفين ورغبتهم في خلق مؤسسات يجتمع فيها الباحثين والقادة من القطاعين العام والخاص، لمناقشة القضايا العالمية والتداول بشأنها، وقد بدأ عدد من المؤسسات بنوع خاص بإثبات وجودها خلال العقود الأولى من القرن العشرين وهي:
- مؤسسة كارنيغي الخيرية للسلام العالمي سنة 1910.
- ومركز بروكنز سنة 1914،
- ومؤسسة هوفر حول الحرب والثورة والسلام 1919، والتي أنشأها الرئيس الأمريكي هربرت هوفر،
- ومجلس العلاقات الخارجية سنة 1921، وهي مؤسسة تطورت من نادي عشاء شهري لتصبح إحدى أكثر المؤسسات السياسية الخارجية التي تحظى بالاحترام.
- مؤسسة راند في مايو 1948 التي دشنت لظهور جيل جديد من مراكز الفكر والتي لقبت بـ (مقاولي الحكومات) والتي اعتمد البيت الأبيض تطببق توصياتها بشكل كبير.
ان مؤسسات الفكر والرأي هذه وغيرها كانت ملتزمة بتطبيق خبراتها العلمية على حشد من القضايا السياسية. كما يقول دونالد ابلسون على لسان كنت ويفر الباحث في مؤسسة بروكنز فإن هذه المؤسسات "تعمل كما لو كانت جامعات بلا طلاب، وتعطي أولوية لإنتاج أبحاث أكاديمية من نوعية عالية. على الرغم من أن الباحثين في هذه المؤسسات قدموا في بداية عهدها، وفي بعض الأحيان، المشورة لصانعي السياسة، غير أن الهدف الأول لم يكن التأثير المباشر على القرارات السياسية، بل مساعدة وإعلام صانعي السياسة والجمهور بخصوص العواقب المحتملة لإتباع مجموعة من الخيارات في السياسة الخارجية، لقد نشأت جزئياً رغبة مؤسسات الفكر أو مراكز الأبحاث نحو الأبحاث السياسية في البقاء بعيداً عن العملية السياسية من التزامها الاحتفاظ باستقلاليتها الفكرية المؤسساتية، وهو أمر كان العديد من المؤسسات المعاصرة على استعداد للتضحية به ويضيف أيضا ابلسون حول التطور التاريخي لمراكز الأبحاث فيقول : "إن الباحثين الذين درسوا نمو وتطور مراكز الأبحاث والدراسات الأمريكية متفقون بوجه عام على أن الطبيعة اللامركزية جداً للنظام السياسي الأمريكي، مضافة إلى غياب الانضباط الحزبي الصارم، والتبرعات المالية الواسعة للمؤسسات الخيرية، قد ساهمت بدرجة كبيرة في تكاثر مؤسسات الفكر والرأي الأمريكية وتنوع اهتماماتها.
وكثيراً ما تتشكل مؤسسات الفكر والرأي ومراكز الأبحاث كنتيجة لأحداث مصيرية في تاريخ بلد ما أو عدد من البلدان، أو كنتيجة لقضايا قومية ملحة تقود إلى البحث عن حلول سياسية أفضل، وهي كذلك كثيراً ما تكون وليدة فكرة فرد من أصحاب الرؤى البعيدة أو مجموعة من الناس من ذوي الخبرة والاختصاص ومن المتابعين للقضايا العامة. وعليه إن الأحداث التي تمر بها المنطقة العربية والدروس التي تتلقاها هي ابلغ ما يكون وادعى للاستجابة لتكون موضع الاهتمام والدراسة لمواكبة التغيرات الحاصلة والتي سوف تحتاج قطعا إلى تغيير في الأنماط السياسية السائدة سواء الداخلية أو الخارجية.
ففي العالم سعى العديد من المثقفين والشخصيات ومجموعات المجتمع المدني حول العالم إلى تأسيس مراكز أبحاث ومؤسسات فكر مستقلة، فمثلا وكباقي دول العالم أخذت مراكز الأبحاث بالانتشار في أوربا الشرقية وأخذت وتيرتها بالتسارع على خلفية انهيار الاتحاد السوفيتي والكتلة الاشتراكية فازدادت أعدادها بشكل كبير في عواصم تلك الدول، بعد أن كانت مقصورة على المؤسسات الحكومية والعسكرية بشكل خاص، وسبب ذلك حاجة تلك البلدان إلى تغيير النمط السياسي على أثر التغيير الحاصل. فإذا كانت هذه الدول قد انتبهت إلى أهمية ذلك وأجرت ما يلزم من التغيير واعتمدت في سياساتها على المؤسسات العلمية في خطواتها نحو التغيير، فان الدول العربية وحكوماتها تحديدا هي الأخرى بحاجة ماسة إلى ذلك، إذا أرادت أن تبدأ بالانتقال إلى مرحلة جديدة من مراحل التطور التي لم تبدأ بعد للأسف، بالرغم من وجود المقومات المختلفة والمتعددة بدءاً بالمقومات الاقتصادية وانتهاءً بالبشرية، أن تعمد إلى سياسات جديدة مبنية بالأساس على دراسات معمقة للواقع يقوم بها خبراء مختصون يعملون بشكل مبرمج ضمن مؤسسات مستقلة لا تبغي الربح الهدف منها بالأساس إعداد بحوث ودراسات لتوضع أمام أصحاب الإدارات وصناع القرار كبدائل ومقترحات لتذليل العقبات التي يمكن أن تعترض تطور المجتمع وحركة الدولة، نظراً للتطورات السريعة الحاصلة في العالم في العصر الراهن والتي لا تقبل بأي شكل من الأشكال الارتجال في اتخاذ القرار. وكذلك حتى لا تفوتنا الثورة الرقمية كما فاتتنا الثورة الصناعية التي بدأت منذ مائتي عام تقريبا.
فمراكز الأبحاث باعتبارها جزءاً من المنظومة الثقافية المهمة، يمكن التعويل عليها في إرساء دعائم ثقافية جديدة والمساعدة في بناء سياسات شاملة على أسس علمية تعتمد على تحليل المعطيات الواقعية وبناء حوار اجتماعي سياسي خلاق يعمل على تفتيت عناصر الضعف وبناء أواصر جديدة مبنية على التفاهم والحوار واعتماد الشراكة المجتمعية التي يمكن عن طريقها الوصول إلى عوامل مشتركة تخص الجميع، واجتياز الفردية في التفكير والتصرف والابتعاد عن الفشل الذي وقعت فيه الأنظمة العربية في بناء مؤسسات مستقرة.
وعليه من باب وضع الشيء في محله والعمل على تهيئة وإدخال عناصر مهمة في الثقافة العربية ورسم الأطر الصحيحة لابد من الاهتمام بمراكز البحوث لاسيما المتخصصة في الدراسات السياسية والإستراتيجية وتقديم الدعم الكامل لها، وبناء منظومات مؤسساتية تأخذ بنظر الاعتبار ما يصدر عن هذه المراكز من دراسات وبحوث واعتمادها في الجوانب العملية ذات الصلة.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف