الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

الفتنة الكبرى وتحرير العقل بقلم:عادل بن مليح الأنصاري

تاريخ النشر : 2011-08-06
الفتنة الكبرى وتحرير العقل
(عادل بن مليح الأنصاري)

ربما تكمن المشكلة الحقيقية في مسألة التشيع أنها مرتبطة أساسا (خاصة في الفكر السياسي الديني) بإيران أو بالطموحات السياسية الإيرانية وبما يعرف بنظرية تصدير الثورة , والعالم ولا يمكن أن ترى حركة تشيع في أي مكان ولا تجد الأصابع الإيرانية خلفها , وأصبح المسلم العامي لا يفرق بين حركة التشيع وبين معممي إيران , وربما لأهداف سياسية ودينية حرصت بعض الجهات وخاصة في عصرنا الحالي بتأجيج وتسليط الضوء على الأصابع الإيرانية خلف أي حركة شيعية , ولو أن ذلك غير بعيد , إلا أن من أكبر أخطاء الشيعة العرب هو تطفلهم على الثقافة الشيعية الإيرانية شكلا ومضمونا , فأوجدت لها مقاومة تلقائية من قبل المجتمعات العربية بمجرد هذا الربط الأيدلوجي , وبالرغم من انتماء الفرس للإسلام عقيدة ومنهجا إلا أن الكثير من مخالفيهم مازالوا يصفونهم بـ( المجوس ) وكأن انتماؤهم للعقيدة الإسلامية لم يشفع لهم من الخروج من عباءة التاريخ الفارسي .
وفي كل رمضان تتنافس القنوات الشيعية المتخصصة في الدفاع عن العقيدة الشيعية والقنوات المتخصصة في الدفاع عن عقيدة السلف في إثارة قضايا مختلفة تدور حول المعتقد الشيعي والسلفي حول بعض القضايا , ولا شك أن لبعضها قاعدة جماهيرية كبيرة خاصة في رمضان مما حداها لاستغلال فرصة هذا الشهر الكريم كل عام واستثمار البرمجة المسبقة لدى الكثيرين انتظارا لمثل هذه البرامج كل رمضان , وهناك حقائق ربما تكون صحيحة بداية فمثلا أن عامة المسلمين سنة وشيعة لا يفهمون أو لا تتضح لديهم الكثير من مداخلات الفريقين ومساجلاتهم التاريخية والبحثية حول تلك العقائد لولا تلك القنوات , فمثلا ظهور التشيع وحقيقة الفتنة الكبرى وما حصل تحديدا في زمن عثمان رضي الله عنه وإرهاصات ما قبله وبعده من أحداث هي غائبة عن عقول عامة المسلمين , وربما لا نبالغ لو قلنا أن عامة المسلمين من السنة يربطون بين التشيع وبين إيران الفارسية ويعتقدون أن إيران تخطط عن طريق التشيع وتصدير ثورتها الشيعية للعالم الإسلامي لاحتلال هذا العالم الإسلامي السني وضمه تحت عباءة ملالي إيران , وكذلك الشيعي لا يرى في السنة إلا عقيدة تريد سلبهم ما يؤمنون به من ولاء لملاليهم الذين حشروا في فكرهم مجموعة من المعتقدات التي تربوا عليها ووجدوا أباءهم لها عاكفون , وقليل جدا من كلا الفريقين من يملك بعض الثراء الفكري حول تلك الأمور وخاصة في زمن الفضائيات والأنترنت , أما الأغلبية الساحقة كما قلنا فتغلب عليهم التخوفات العامة التي لا يدركون دقائقها وحيثياتها .

فحقيقة ظهور التشيع وخفايا الفتنة الكبرى وما أدت إليه حتى وقتنا الحاضر من تداعيات هي تفاصيل لا تعيش إلا في عقول وفكر العلماء والمفكرين والباحثين في كلا الفرقتين , وربما من آثار الزخم الإعلامي الحديث واتساع عصر الفضائيات سهل على تلك الفئة التواصل والتحاور وحتى التناحر حول تلك الأفكار وبعثها من مراقدها التاريخية لتطل بوجهها المتجهم على عامة المسلمين , وأصبح المسلم العادي الثقافة يتابع ويفهم ويخضع لكل ما يتلقاه من كلا الطرفين كل حسب تقبله لعقيدة الآخر وحسب اتجاهه العقدي , وربما انحاز لفريق دون الآخر بغض النظر عن قناعته الشخصية أو قوة طرح أحد الفريقين فهي أشبه بصراع حضاري بين فكره الخاص وفكر الآخر , فينتصر لفكره بغض النظر عن قوة حجة الآخر , فهنا قام النخبة من المفكرين والمؤرخين والعلماء بحقن العامة بجرعة مكثفة وقوية من الأفكار والمعتقدات والأدلة والحجج التي ربما لا يستوعبها المسلم العادي , ولا تكون النتيجة إلا مزيد من رفض الآخر , فالمسلم البسيط يتفاعل مع حوارات واختلافات وربما تطاول البعض على البعض بأنواع من الشتائم المقنعة والتجهيل والتسفيه والمبالغة في التغليط فيجد نفسه منساقا تلقائيا للانتصار لممثلي فئته حتى ولو لم يفهم شيئا من ذلك الحوار , وربما تكون النتيجة مزيدا من التمزق والتشرذم بين عامة المسلمين كما نجده عبر كثير من المنتديات المتخصصة .
وهنا نتساءل : هل هناك جدوى من إثارة تلك الأفكار المعقدة ونخرجها من رؤوس الباحثين ونلقي بها للعامة والذين ربما يجدون أنفسهم تائهين بين ذلك الركام الهائل من المناقشات والأفكار والأدلة والأدلة المضادة وهم لا يفقهون شيئا من أبجديات علم التاريخ أو الحديث أو التفسير وغيرها مما يطرح عبر تلك البرامج , ثم تكون النتيجة أن العامة لا يخرجون من تلك الحوارات إلا بمزيد من رفض الآخر كأقصر طريق للفهم ولثقته المطلقة برموز مذهبه حتى لو كانوا على خطأ ؟
وهنا يبرز السؤال الأكثر أهمية وهو أيهما أجدر الخوض في تلك الأحداث ووجوب كشف الحقيقة عنها أم تركها في عقول الباحثين والنظر إليها كفتنة (لعن الله من أيقظها) , ( ولو أن الملاحظ على باحثي الفرقتين أنهم لم ولن يصلوا إلى كلمة سواء كما يتضح منذ عدة سنوات لخوضهم في هذا الموضوع , بل كل عام تولد أسئلة جديدة ودراسات جديدة وتتعمق ثقافة الرفض وثقافة الهجوم والهجوم المضاد , والأهم أن نار السياسة لا تدع مجالا لأي تقارب ممكن , فإيران قائدة الجناح الشيعي مازالت تعبث بسياستها جهرا وخفاء عبر المجتمعات السنية والإعلام السني لا يتوانى عن مهاجمة إيران ليل نهار ويقاوم التيارات الشيعية في مجتمعاتها لما لديها من قناعات بانتمائها الفارسي أولا وأخيرا )
والسؤال الآخر : أليس من الأفضل أن توحد تلك القنوات شيعية وسنية جهودها نحو التقارب والوصول لنقطة وسطية كأقصر الطرق لتوحيد كلمة المسلمين ؟
إن وضع خطة طريق لكلا الطرفين للتعايش السلمي ليست عقبة كأداء لو نظرنا للأمور ببساطة وإخلاص في النية وتطهير الغاية والوسيلة من أي أطماع أخرى , والقاعدة القرآنية تقول (لكم دينكم ولي دين) , فليعبد الشيعة الله كما يريدون وكما يأمرهم الكتاب والسنة وحسب شروحات أئمتهم وملاليهم, وليعبد السنة الله كما يريدون وكما يأمرهم الكتاب والسنة وحسب شروحات أئمتهم وعلمائهم , ولكن تبقى نقطة مهمة يجب الالتقاء عنده حتى يستقيم الأمر لكافة المسلمين للتعايش المثمر والبناء ألا وهو تنقية كتب المذاهب جميعها من أطروحات التكفير ونقد الآخر تماما , ففي بعض كتب الشيعة مثلا تكفير لأهل السنة وسب لرموز إسلامية من صحابة وأمهات للمؤمنين لا يمكن أن يسكت عليها مسلم صادق الإسلام , وهي ليست من جوهر مذهبهم ويمكن التخلص منها , أما بالنسبة لنظرتهم للإمامة ومكانتها فليؤمنوا بها كما يشاءون , وكذلك نظرتهم للمهدي والأئمة وتقديسهم ذلك لا يظيرنا في شيء إلا مقولتهم بأنه سيأتي ليقتل العرب لما فيها من تكريس للنظرة العنصرية والإيحاء بأن الفرس وضعوها كنوع من الحقد التاريخي للعرب , وهذه يمكن لهم تركها لهدف أسمى وهو توحيد الصف الإسلامي , وكذلك بعض كتب السنة إن وجدت ككتب مستقلة أو حذف الإشارات الواردة حول تكفير الشيعة , هنا يمكن لنا التقارب حول كتاب واحد وسنة واحدة ونجعل الاختلافات البسيطة في عقولنا وليست على ألسنتنا ووسائل إعلامنا .
ولا شك أن العالم الإسلامي أحوج ما يكون حاليا ومستقبلا لتوفير جهوده وطاقاته نحو توحيد كلمته ولم الصف والاتجاه نحو التحديات الحضارية الحقيقية وليس النظر للوراء واسترجاع التاريخ واستخراج أدوات التقاتل وبث الفتن وتقديم أسلحة مصطنعة وغير حضارية ليشغل الدهماء والبسطاء وحتى المفكرين من الخوض في ساحات الفكر والثقافة وربما حتى ظهور حروب على أرض الواقع من مجرد البحث عبر سراديب التاريخ وغرفه المظلمة أحيانا والمضيئة أحيانا أخرى عن أدوات الدمار والشقاق والفتن , وما يثيره أولئك البعض من الباحثين ربما لا تستوعبه عقول البسطاء فلا يجدون مهربا من جهلهم إلا مزيدا من البغض والنقد والشتم للآخر .
ونحن في عالمنا العربي نقبع تحت تحديات جديدة علينا وأحداث مبهرة سريعة بالنسبة لمسيرة التاريخ , وما نشهده من أحداث عبر عالمنا العربي لم يسبق للتاريخ أن ذهل بمثلها , فأنظمة تتبدل وشعوب تصحو ومراكز قوى تموت وأخرى تنشأ , هذا التاريخ لم يشهد من قبل أن تسقط أنظمة ديكتاتورية خلال أيام ولا أن تقلب صيحة مواطن هنا أو هناك عبر وسيلة الكترونية أو عبر صورة في فضائية وجه المجتمع بأكمله , ولا يمكن للتاريخ أن ينسى وجه حسني مبارك أقوى رجال الشرق الأوسط وخلال أشهر قليلة ينتقل من كرسي قصر القبة لزنزانة في محكمة , إن التاريخ لا يرحم ويقدم مشاهد لا يمكن أن تمر على ذي لب من غير أخذ عبرة أو قراءة مصير أو تغيير لواقع .
نحن اليوم أحوج ما نكون لالتفات لواقعنا ومستقبلنا وأن نجد لنا موطئ قدم عبر هذا العالم بعيدا عن النبش في تاريخ مضى وانقضى بكل عيوبه وإيجابياته , وأولئك الموتى ليسوا بأجدر من هؤلاء الأحياء الذين يبحثون عن الخبز والكرامة والحرية لوضع حد لمعاناتهم وإرساء روح العدالة الاجتماعية بينهم , إن واقعنا العربي أهم وأجدر من الالتفات إليه لمحاربة الفساد وانهيار البنى التحتية وتضخم الثروات في يد البعض بينما يموت البعض باحثا عن لقمة عيش أو قليل من كرامة , عثمان وعلي ومعاوية وعائشة رضي الله عنهم أجمعين هم بين يدي جبار السموات والأرض ولن يستطيع فلان أو علان تقديم شيء لهم , فرب العباد قال فيهم ما قال في قرآنه الكريم وهو الحق بمحاسبة كل نفس بشرية , ولن يصلهم لعن البعض ولا الانتقاص من مكانتهم الدينية والدنيوية , إن المتمسكين بهذه الفتن وإثارتها ليسوا بحريصين على ذلك إلا لأهداف دنيوية أو مادية أو سلطوية , كما أن الوصول لعقول الدهماء والبسطاء ليس من السهولة بمكان إلا عن طريق المالكين لتلك العقول , وهم حريصون على تملكها وقيادتها لما يخدم مصالحهم الدنيوية فقط , ولا يمكن تحرير تلك العقول إلا بالعلم والاطلاع بعيدا عن تلك القيود التي ولدوا عليها .
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف