الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

نهــر الأحــزان بقلم:فاضل الاحوازي

تاريخ النشر : 2011-06-04
نهــر الأحــزان

و بعد طول تعثربين وهاد و نجاد تاريخ الحياة و جغرافيتها، رفعت رأسها و يديها الى السماء داعية أن تهتدي الى سبيل الرشاد ، و ما أن أسبلت يديها حتى شعرت بأن هاتفا يهتف من أعماق أعماقها قائلا : إن أردتِ أن تهتدي الى ملاذكِ الأخير ما عليكِ إلا أن تتبعي مشرق الشمس، حيث اليوم الجديد هو مولد الحياة الجديدة و اشراقات الأمل ، صاحت بأعلى صوتها فرحة و كأنها نيوتن زمانه لقد وجدتها، نعم إلى أقصى الشرق العربي، يا الله كيف لم أفكر بهذا من قبل؟.
جدت بالمسير و كلما أوغلت فيه أكثر كلما لانت الأرض تحت قدميها أكثر، و كأنها تعرفها منذ زمن بعيد أو أنها تواطأت معها لغاية في نفسها تريد قضاءها . و هكذا تحولت وعورة الأرض إلى سهول منبسطة ، تفتح ذراعيها مرحبة بالقادم الجديد . كانت سهولا بيضاء ببياض قلوب أصحابها و سوداء بلون الغل و حقد عقود القهر و الاستبداد ، نادت مرة أخرى يا الله إني لأعرف هذه الوجوه بسيماها و هذه الرائحة ليست بغريبة عن ذاكرتي. كانت الأصوات مسموعة مثل الشلال الهادر، و الأيادي كانت سمراء مرفوعة تحصد قمح البيادر ، لقد طارت فرحا و طربا حيث سكنت جوارحها و آلامها و هدأ روعها و قلقها ، و لأول مرة تشعر أنها قد اقتربت من أهلها و ناسها.
و من بعيد لفت انتباهها طيف خيال يتحرك جيئة و ذهابا ، أحبت أن تعرف صاحب هذا الطيف اقتربت منه أكثر، تقاربت خطاها إلى أن اقتربت منه و لم يكد يفصل بينهما إلا نهر النار و الدم و المعروف لأهل المنطقة منذ زمن بعيد، و لم يجرؤ أحد على اجتيازه للمرور إلى الضفة الأخرى ، نعم كان النهر يفصل بينها و بين الطيف إلا أنها كانت تستطيع أن تكلمه و تسمع صوته بكل وضوح .
لم يكن ذلك الطيف إلا بقايا عجوز أكل الدهر عليها وشرب و ترك آثار تعذيبه و ظلمه لها على جسدها النحيل . كانت العجوز تحمل بين يديها رغيف خبز يابس تبلله بدموعها ليسهل عليها مضغه بعد أن فقدت جميع أسنانها.
استانست القادمة من المجهول بتلك العجوز أكثر شعرت أن رابطة ما تجمعها بها، إلا أنها لم تدر ما هي تلك الرابطة، و بعد أن سلمت عليها ، وردت عليها العجوز التحية بأحسن منها، سألتها عن سبب مكوثها جانب النهر حيث رائحة الدم تدل على الموت و رائحة النار تدل على الخراب فأجابت العجوز أنه لا يوجد لها أي مكان تلجأ اليه إلا هذا المكان، و لن تبرح الأرض حتى يطفئ الدم لهيب الحقد المستعر .
سألتها عن صحتها، فقالت بعد أن أخذت نفسا عميقا: كنت قبل أكثر من ست و ثمانين سنة جميلة الجميلات، كان الكل معجبا بي ، يغازلني و يطلب ودي ، كنت أمشي بين أخواتي بكل فخر و خيلاء لأني أعلم أن الله قد وهبني من الحسن و الجمال ما لم يهبه لغيري إلى أن جاءت ليلة ظلماء عدا فيها علي العادون فجاسوا خلال الديار خربوا و احرقوا و نهبوا و لم يتركوا أي منكر إلا فعلوه، قتلوا من أولادي من قتلوا و ما هذه الدماء التي تجري في هذا النهر إلا من تلك الأجساد الطاهرة ، و شردوا منهم من شردوا ، و أنا مع اطلالة كل صباح آت إلى هنا أنتظر قدوم من تبقى من أولادي المشردين في مشارق الأرض و مغاربها . أردفت العجوز، يا ابنتي لقد شح نظري لطول التحديق في الأفق بانتظار الأمل القادم، و مع وهن عظام القدمين إلا أنني أتحامل على نفسي للمجيء إلى هذا المكان المحبب إلى قلبي، أما الجلد فقد حوى في تجاعيده تاريخا و آلاما لا يشعر بها إلا من يكابدها، و مع هذا فإن الأمل يحدوني بذلك اليوم الذي يتجدد فيه شبابي، و لن تحن منيتي قبل أن أكحل ناظري برؤية من أحببت . يا ابنتي إنني لم أندم على كل ما مضى و جرى و ذلك أن سنة الحياة تقضي أن تكون الأيام متداولة بين الظالم و المظلوم، و هناك شيئان ما داما موجودان لدي و لم ينزعهما مني جلادي - و لن يستطيع نزعهما أبدا - فأنا بالف خير، و سيبقى يحدوني الأمل باليوم الموعود، و هذان الشيئان هما رحمي و صدري ، فأنا و على الرغم من عمري العتي فإنني لا زلت قادرة على الإنجاب و سأبقى كذلك إلى أن يرث الله الأرض و ما عليها، و سيبقى اللبن في صدري مدرارا لأطعم و أغذي من أنجبهم.
كان ثوب العجوز كثوب والدة القادمة و رائحتها تذكرها برائحة والدتها و كان كلامها ذي شجون لدرجة دفع القادمة من المجهول إلى ان تغامر بعبور النهر لاحتضان العجوز و ضمها، إلا أن صيحة من العجوز نبهتها إلى التمهل قليلا لانتظار أولادها الفرسان، والذين اقترب قدومهم لا محالة على خيول النصر و المجد و ذلك لضمان اجتياز القادمة من المجهول إلى الضفة الأخرى من النهر دون متاعب تصيبها .
لقد عرفت تلك القادمة عن المرأة العجوز كل ما تريد أن تعرفه إلا انها نسيت أن تسألها عن اسمها و ما أن سألتها عنه حتى بادرتها العجوز يا ابنتي إنني أنا الأحواز المنسية .
ذرفت عينا القادمة من المجهول دمعتين جامدتين كأنهما ياقوتتان و قالت اسمحي لي يا خالة، و قبل أن تكمل القادمة جملتها قاطعتها العجوز قائلة يا ابنتي لا تناديني بالخالة فالخالة تتخلى بل إنني الأم، والأم تضم، انهمرالدمع غزيرا من عيني القادمة وقالت للأحوازلن اتخلى عنك بعد اليوم يا أمي و سيأتي اليوم الذي اضمك فيه فأنت من كنت أبحث عنها منذ زمن و أنا الحرية .

فاضل الاحوازي[email protected]
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف