الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

العولمة والتونسة بين الذهول والمجهول

تاريخ النشر : 2011-01-28
العولمة والتونسة
بين الذهول والمجهول (عادل بن مليح الأنصاري)

حقبة زمنية عربية نشهدها أو نشهد عليها ربما يصعب تكرارها عبر الحقب التاريخية , فنحن في عالمنا العربي وربما لأول مرة نشهد وبذهول تحقيق فحوى بيت من قصيدة الشاعر التونسي العظيم أبو القاسم الشابي :
( إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أن يستجيب القدر )
لقد كانت قراءة مثل هذا البيت من الشعر العربي لا يخرج عن كونه خيال لشاعر عربي ومجرد سحر البيان الذي تمثله اللغة العربية , ولكن التونسيون حولوه لواقع مفروض وبركان تاريخي شعبي لم يخضع للمزايدات السياسية والمراهنات الفئوية .
ربما من أخطر المدلولات في الحقبة التونسية هو خروج شعب بأكملة حاملا مطلب واحد محدد ويحملون قبله الإصرار التام للوصول لتلك الغاية , حالة غير مسبوقة في التاريخ العربي بالذات وهي نظرة أجمع عليها المراقبون , وربما من المذهل وما يعتبر نقلة نوعية أن تحقق الجماهير مطلبها بهذه السرعة وضد أشرس نظام بوليسي عربي , ومما أذهل المتابعين للساحة السياسية العربية سرعة التجاوب من بعض المجتمعات العربية وبدء سريان تلك الشرارة هنا أو هناك , ولا يستبعد أن نجد تغييرا قريبا يعصف بكل التوقعات والاحتمالات وما يفوق نظرة المراقبين ربما , فهل سنشهد قريبا تغييرا لأغلب الأنظمة العربية بعد فك رموز المعادلة الصحيحة لنيل الحقوق على يد التونسيين ؟
سؤال مذهل , والإجابة عليه ربما لن تكون متوقعة أيضا .
إن ظهور غيوم العولمة على عالمنا المعاصر لتشابك المصالح وتلاقح المجتمعات عبر وسائل الاتصالات المذهلة وتأثير المناخات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية من مجتمع على آخر بسرعة رقمية مذهلة كما ساهمت هذه المنظومة كثيرا في تفاقم الحالة التونسية والمصرية واليمنية .. وما يظهر بعدها .
إن حالة الذهول التي سادت المجتمعات العربية للحالة التونسية لم يكد يفق منها ليصحوا على بدء الحالة المصرية وولادة الحالة اليمنية بشكل أقوى من ولادته السقيمة قبل أشهر بعد تجرعه للقاح التونسي , وربما المجهول يعد لنا الكثير من حالات الذهول الغير متوقعة قريبا .
هذا المجهول لم يعد خاضعا كما مضى لعصي رجال الأمن ولا لخراطيم المياه ولا لأسوار المعتقلات , ويبدو أن حقبة (الكرنك) قد ولت فعلا ومحيت من تاريخ الغد بالممحاة التونسية المذهلة .
إن عصر العولمة مر بالمجتمعات العربية بطيئا رقيقا ينظر إلينا على استحياء للنقص الكبير في عقليات المجتمعات العربية لأنها لم تنضج حضاريا ربما , ولأنها مجتمعات تتلقى كل مظاهر الحياة من الحاكم الأوحد فإن أصاب صفقوا له وإن أخطأ صفقوا له أيضا ولو تحت مبررات يقبلها قهرا تارة وجهلا تارة أخرى .
إن العولمة العربية الحديثة الوليده الممزوجة بالطاقة التونسية فتحت بابا لا يكاد يغلق من التوقعات المجهولة في الغد القريب , وهذا المجهول لا يخضع لمنطق أو لفكرة أو لمعقول متوارث كما نعرفه , إنها حالة جديدة , خاصة , أشبه ما تكون بانقلاب اجتماعي على ثقافة ابن خلدون المتوارثة في فكرته عن المجتمعات , إنها عصرنة زلزلة الثقافة الاجتماعية والسياسية العربية من جذورها , ويبدو أنها أرست قواعد جديدة تمهد لأرضية جديدة بين الحاكم والمحكوم .
وسيظل هذا الغد مجهولا حتى ينكشف عنه الغطاء التاريخي فإما تنقلب الموازين المتعارف عليها في ثقافتنا العربية وإما يتوقف هذا الغد المجهول عند الحالة التونسية وتصبح حالة إنسانية شاذة أذهلت العالم العربي فترة من الوقت فقط .
ولكن هناك سؤال ينبعث من بين هذا الركام الهائل من الأحداث التونسية والمصرية واليمنية وما يتبعها , ألا وهو أين تكمن تلك الشرارة التي يمكن أن ترسم ملامح هذا الغد المجهول لأي مجتمع عربي بالذات ؟ وكيف يمكن للأنظمة أن تتلافى هذا البركان الاجتماعي والسياسي الوليد ؟
لا شك أن الإجابة واضحة ومحددة ألا وهي ...
غياب العدالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية
والتي لخصها بعد فوات الأوان (بن علي) بقوله " أنا فهمتكم " ولكن كما قلت بعد فوات الأوان , ولكن الأوان لم يفت لغير بن علي , بل على العكس لقد منح (بن علي) بقية الحكام العرب الحل السحري الذي يضمن الوقوف ضد هذا المد البركاني التونسي التاريخي المذهل ألا وهو :


تحقيق العدالة بكافة صورها حتى تفتح جسورا جديدة من الثقة بين الحاكم والمحكوم
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف