الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/25
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عبد الله - رواية قصيرة بقلم:نزار ب. الزين

تاريخ النشر : 2010-10-20
عبد الله - رواية قصيرة بقلم:نزار ب. الزين
عبد الله

رواية قصيرة
نزار ب. الزين*
*****
-1-
دخلت بيت المحامي الأستاذ عبد الباقي الحموي امرأة حافية القدمين ، كانت تحاول ستر ثيابها الممزقة بملاءة سوداء انتشرت على سطحها البقع من كل لون و قد ألقت فوق وجهها منديلا مهترئا فُتحت فيه على الأقل كوتان . كانت تجر بإحدى يديها طفلة لما تبلغ العامين من عمرها ، نحيلة جدا و عارية الا من قميص مهلهل بينما تتخفى الصورة الحقيقية لوجهها الجميل تحت قناع من الأوساخ و الافرازات تتغذى منها و تحوم حولها بضع ذبابات أصرت على الدخول معها و التي يبدو أن الطفلة اعتادت عليها .
كانت الامرأة و هي صبية لما تبلغ الثلاثين بعد ، هلعة باكية ، ما أن احتواها منزل الاستاذ حتى أمسكت بتلابيب أم محمد – الشغالة – مستجيرة بها بصوت مبحوح أنهكه الارهاق فخفض موجاته ، بينما أكدت عروق رقبتها المنتفخة أنها تُطْلِقه بكل قوتها ؛ كانت الكلمات تخرج من فمها كحشرجة عجوز في النزع الأخير ، عندما أخذت تشرح حالها لأم محمد ثم لبقية أفراد الأسرة كبيرهم و صغيرهم ، ثم أعادت سرد قصتها لسيدة الدار قمر( خانم ) عندما خرجت من الحمام ..
زوجها ملقم فرن في مخبز الحارة ، أجره الأسبوعي ثلاث ليرات سورية إضافة الى أربعة أرغفة من ( خبز الفقير* ) لا تدخل أجواف الأسرة غيرها غالبا ؛ أما أجره الأسبوعي فلا تعرف عنه شيئا ، هي تعلم أنه يدخن بشراهة و أنه يتردد على مقهي الحي المجاور لسماع قصص عنترة بن شداد و أبو زيد الهلالي و الشاطر حسن من فم الحكواتي ، حتى اذا طالبته بما يسد رمق أطفالها ، أقسم الأيمان أنه لا يملك قرشا واحدا في جيبه ، و ان هي واجهته بمصروفاته الشخصية ، فان رده يكون في العادة بيده و ليس بلسانه ؛ أما ما حدث اليوم ففاق كل ما حدث من قبل ، فقد مزق جسدها بعدة جروح تجمد الدم حولها و رسم على وجهها عدة كدمات و نفّر من رأسها ثلاثة انبثاقات على الأقل ، و حتى الأطفال لم يسلموا من أذاه بل كاد يذبح بكره . و أخذت ترجو قمر خانم أن تتوسط لدى الأستاذ لينقل شكواها الى الحكومة ، فانها لم تعد تحتمل ، فقد بلغ بها السيل الذبى !!! و أضافت أنها امرأة ( مقطوعة من شجرة ) لا أهل لها و لا تجد من تلجأ اليه سوى الأستاذ ، و قد شجعها ما سمعته من جارتها بأن الأستاذ يرفض أن يتقاضى أجرا من أهل الحارة .
تعاطفت قمر خانم مع الامرأة ، و أخذت تهدئها ، ثم أمرت أم محمد أن تقدم لها بعض الطعام مؤكدة لها أن الأستاذ سيعود الى المنزل وشيكا ، و أنه لن يتردد في معاونتها

*****
-2-
كان بكرها عبد الله ، قد أرسله والده لاستدعاء أمه في الحال ، عندما دخل الأستاذ عبد الباقي ، و ما أن سمع القصة حتى طلب من عبد الله أن يستدعي أباه . ثم أخذت الصورة تتضح فالزوج هو ابن ( خضري الحارة ) أبو عمر ، عمل عند والده مذ كان في العاشرة من عمره و تزوج في كنفه و أنجب في داره ، و لكن بعد وفاة والدته بأشهر قليلة تزوج والده ؛ و بدون سابق انذار طرد ابنه و ساعده الأيمن ، بحجة أذاعها بين الزبائن و هي أن مورد الدكان لم يعد بغطي أسرتين .
و لما كان عمر فد حرم من أي قسط من التعليم أو حتى تعلم أية مهنة غير المناداة لترويج ثمار والده فقد ظل عاطلا عن العمل ، الى أن أوقعته الظروف بين براثن ( خباز الحارة ) الذي عمل على استنزاف عضلاته أربعة عشر ساعة يوميا ، تبتدئ عند فجر كل يوم فاذا عاد الى منزله ليستريح يجابهه صخب أطفاله الذين أنجب منهم أربعا في أربع سنين ، ثم تدعم زوجته ذاك الهرج بطلباتها التي لا تنتهي ، فأخذ ينفر منهم جميعا الى المقهى .
- والدخان ؟
سأله الأستاذ فرد عمر مبررا . .
= ( فشة خلق* ) سيدي !
- و تترك أطفالك جياع ؟
صمت أبو عبد الله بينما اغرورقت عيناه بالدموع ، ثم أردف :
= كان من المفروض أن أكون شريكا لأبي و لكن (بنت الحرام إمرأته) ظلت توسوس له حتى طردني .
- و لكنه لم يطردك من المنزل أليس كذلك ؟ .
تساءل الأستاذ فأجابه عمر :
= لو فعلها فلا ملاذ لنا سوى بستان الباشا حيث نعيش كلنا في العراء، و لكن (بنت الحرام) أجبرته على بناء حاجز يقسم البيت الى شطرين و استحوذت على الشطر الحاوي للمرحاض و المطبخ و تركت لنا غرفة واحدة للأكل و الشرب و الطهو و النوم بل حتى استحمام الأطفال !
بعد فترة صمت قال الأستاذ موجها كلامه الى الرجل :
- اسمع يا أخ عمر ، لو اشتكت عليك زوجتك لوضعوك في السجن على الأقل ستة أشهر ، لأنك أوقعت الأذى و الضرر بشكل بيّن ، و لكنها لم تفعل و أنا أعلم أنها لن تفعل لأنك أبو أولادها ، ستعود معك خديجة و لكن قبل ذلك أريد منك تعهدا بأ نك لن تستخدم يدك عند الغضب ، خديجة زوجتك و ليست خادمتك أو جاريتك ، حتى العبيد حرروهم يا رجل !
ثم أحضر المصحف و ألزمه أن يضع يمناه فوقه ثم يقسم بأنه لن يمد يده بسوء منذ اللحظة ، كما جعله يقسم بأن يقلع عن التدخين و أن لا يذهب الى المقهى سوى مساء يوم الخميس .
ثم غادرت الأسرة محملة ( ببقجة*) مليئة بالثياب القديمة و ( صّرة ) مليئة ببقايا متنوعة من الطعام .
و ما أن وطئت أقدامهم الشارع حتى تهافت حولهم بقية أطفالهم مطالبين بالحاح بنصيبهم مما احتوته ( الصرة )

*****
-3-
في صباح اليوم التالي قرع الباب ، فأطلت أم محمد من طاقة فتحت فوقه من أرضية مدخل المطبخ في الطابق الثاني من المنزل .
سألته :- من أنت ؟
أجابها : - أنا عبد الله .
كان صبيا في العاشرة أو نحوها يرتدي سروالا حشر فيه جسمه فبدا ضيقا جدا و قصيرا جدا بينما التصق فوق القسم الأعلى من جسمه قميص أزرق ضمت أزراره الى العروات غير المناسبة فبانت قبته ملتوية ، كان منظره مضحكا حقا .
نظر الى أعلى ثم أشار الى ثيابه الجديدة ثم قال مؤكدا :
- أنا عبد الله ابن أم عبدالله
- و النعم و السبعة انعام
أجابته أم محمد متهكمة ! فخجل و أطرق برأسه ، الا أنه لم يتزحزح من مكانه !
سألته ثانية بشيء من الغضب :
- من أنت و ماذا تريد ؟
- أنا عبد الله ابن أبو عبد الله
هنا تنبهت أم محمد للملابس فتذكرت على الفور قصة الأمس ثم أدركت.أنه الابن الأكبر للزوجين المتخاصمين اللذين كانا هنا بالأمس .
- هل أمك التي كانت عندنا البارحة ؟ سألته أم محمد .
- نعم ؛ أبي و أختي أمينة كذلك ، أجابها فرحا .
- هل هناك مشكلة جديدة بينهما ؟
سألته ، فصمت و أطرق برأسه ، فعادت تسأله :
- ماذا تريد يا عبد الله
هنا رفع رأسه و أشار باصبعه الى فمه المفتوح ، فأدركت أنه يطلب طعاما .
سألتها قمر خانم :
- من في الباب يا أم محمد ؟
- عبد الله (ياخدو الله) يشحذ طعاما ، هل أعطيه ؟
- إلقي له قطعة خبز و شريحة جبن .
ثم درجت العادة أن يأتي كل صباح طالبا بعض الطعام ، كما درجت بين أفراد الأسرة تسميته عبدالله ( ياخدو الله ) و لكن عبد الله لم يأخذه الله بل أخذ والده !

*****
-4-
عبد الله يقرع الباب بقبضتيه ، كان أفراد العائلة يتناولون افطارهم , هرعت أم محمد الى الطاقة :- عبد الله ؟ ماذا أتى بك مبكرا و لم تحاول كسر الباب ؟
سألها الأستاذ :
- من الطارق ؟ فأجابته :
- عبد الله ( ياخدو الله )
و لكن عبد الله عاد ليطرق الباب بعنف ، فهب الأستاذ ليطرده :
- ألا تستحي يا ولد فتزعجنا على هذا النحو ؟ نهره الأستاذ ، فأجابه بصوت متحشرج :
- أبي( شنق حاله !!!!! )
*****
-5-
تسلل سمير وراء أبيه و تبعه عن بعد ، فقد استبد به الفضول .
كان الجمع غفيرا ، في بستان الجزيرة ، أحاطوا بشجرة جوز عملاقة تدلت من أدنى أغصانها جثة عمر ، العينان جاحظتان تكادان تخرجان من محجريهما ، فمه مفتوح حتى آخر الشدقين و لسانه مدلى و سرواله يرشح ، و يداه ممسكتان بالحبل الذي التف حول عنقه ، و كأنه ندم في اللحظة الأخيرة فحاول التراجع ، و لكن بعد فوات الأوان !
جلست خديجة على الأرض و راحت تلطم خديها تارة أو تهيل التراب على رأسها تارة أخرى ، مرددة عبارات لم يفهم منها سمير سوى تساؤلاتها عمّن سيعيل الأطفال من بعد عمر ؟
ثمت شرطي حضر لتوه و أخذ يبعد الناس عن شجرة الجوز مستخدما عصا غليظة يحملها الشرطة عادة ، ثم اشتد نشاطه بعد حضور المحققين و المصور و الطبيب الشرعي .
هنا انسحب الأستاذ عائدا الى بيته ، كان يهز رأسه حزنا و يدمدم (( لا حول و لا قوة الا بالله )) ، عندما شاهد ابنه سمير ضاغطا على احدى ساقيه بكلتا يديه محاولا تخفيف ألمها فقد أصابته ضربة من عصا الشرطي.
و في منزله قال الأستاذ موجها كلامه الى زوجته و بحضور جميع أفراد الأسرة :
لقد عرفنا كيف و لِمَ ؛ فقد هدم أبو عمر السور الذي بناه بينه و بين ابنه ، و بدون تقديم أي تبرير طالبه بالرحيل من بيته ، لم يقبل أبو عمر المناقشة و لم يستجب لتوسلات خديجة ، كان ذلك في المساء و في الصباح ظنوا أن عمر توجه الى عمله و لكن بعد سويعات قليلة جاءهم ( أبو رياح ) صاحب الطاحون ليخبرهم بالنبأ المفجع .

*****

-6-
كانت جنازة أبو عبد الله التي لم يخرج وراء نعشه فيها ، سوى عبد الله و جده أبو عمر ؛ فقد رفض الناس تشييعه أو الصلاة على جثمانه لأن الانتحار حرام ، كما أحجم الناس عن التعامل مع (أبو عمر) أو حتى القاء السلام عليه !
ثم أصيب أبو عمر بجلطة دماغية فأصبح طريح الفراش ، رفضت زوجته خدمته ، ثم ما لبثت أن جمعت أغراضها و رحلت ، بينما شمرت خديجة ساعديها و تطوعت لخدمته دون ابداء أي اشارة تذمر !
أما عبد الله فقد استلم دكان جده ، و عاد - من ثم - أهل الحي للتعامل مع المحل بكل رضا ،
و بعد أيام ابتدأ عبد الله ذو الحادية عشر يقف على الرصيف المحاذي لسور البستان ، يعترض طريق الفلاحين القادمين من الغوطة فيشترى منهم ثمارهم قبل أن يصلوا الى سوق الهال و هو سوق الخضار الرئيسي ؛ و سرعانما تكشف عبد الله الذي كان حتى الأمس القريب يلهو بالتعلق خلف حافلات الترام أو العربات التي تجرها الخيول ، عن تاجر بارع ، و ما لبثت جهوده أن انعكست خيرا على والدته و اخوته .
*****
-7-
قرع الباب ، أطلت أم محمد فاذا به عبد الله .
- من القارع يا أم محمد ؟ سألتها قمر خانم .
- عبد الله ( ياخدو الله ) ، أجابتها أم محمد .؟
- الظاهر أنه حن لمهنة الشحاذة ؟ علقت قمر خانم ضاحكة !.
- ماذا تريد يا عبد الله ؟ سألته أم محمد بشيء من السخرية ؟
- أحضرت لكم سلة مشمش حموي .
- هل أرسلها الأستاذ ؟
- لا .. انها هدية مني للأستاذ !
علقت قمر خانم :
- والله فيك الخير يا عبد الله ، قالتها و هي تهز برأسها تعجبا و اعجابا .
عندما نزلت أم محمد لتناول السلة ، رجاها عبد الله ألا تلقي بكتب أولاد الاستاذ بالقمامة عند نهاية العام الدراسي الوشيكة ، لأنه يعتزم تعلم القراءة و الكتابة كما و انه يعتزم ارسال اخوته الى المدرسة في العام القادم !
-----------------------
*نزار بهاء الدين الزين
سوري مغترب
إتحاد كتاب الأنترنيت العرب
الموقع : www.FreeArabi.com
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف