الأخبار
بلومبرغ: إسرائيل تطلب المزيد من المركبات القتالية وقذائف الدبابات من الولايات المتحدةانفجارات ضخمة جراء هجوم مجهول على قاعدة للحشد الشعبي جنوب بغدادالإمارات تطلق عملية إغاثة واسعة في ثاني أكبر مدن قطاع غزةوفاة الفنان صلاح السعدني عمدة الدراما المصريةشهداء في عدوان إسرائيلي مستمر على مخيم نور شمس بطولكرمجمهورية بربادوس تعترف رسمياً بدولة فلسطينإسرائيل تبحث عن طوق نجاة لنتنياهو من تهمة ارتكاب جرائم حرب بغزةصحيفة أمريكية: حماس تبحث نقل قيادتها السياسية إلى خارج قطرعشرة شهداء بينهم أطفال في عدة استهدافات بمدينة رفح"عملية بطيئة وتدريجية".. تفاصيل اجتماع أميركي إسرائيلي بشأن اجتياح رفحالولايات المتحدة تستخدم الفيتو ضد عضوية فلسطين الكاملة بالأمم المتحدةقطر تُعيد تقييم دورها كوسيط في محادثات وقف إطلاق النار بغزة.. لهذا السببالمتطرف بن غفير يدعو لإعدام الأسرى الفلسطينيين لحل أزمة اكتظاظ السجوننتنياهو: هدفنا القضاء على حماس والتأكد أن غزة لن تشكل خطراً على إسرائيلالصفدي: نتنياهو يحاول صرف الأنظار عن غزة بتصعيد الأوضاع مع إيران
2024/4/20
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

لسنا يمينا ولا يسارا، فماذا نكون وكيف نكون؟ بقلم:محمد الحمّار

تاريخ النشر : 2010-06-06
لسنا يمينا ولا يسارا، فماذا نكون وكيف نكون؟
بقلم:محمد الحمّار
من بين العمليات المحسوبة على التخلف المنهجي، الذي تناولته بالدرس مؤخرا (1)، تطويع الإسلام إلى أنساق السياسة الغربية المهيمنة. وترويض الإسلام لغاية توحيد آلياته مع آليات الفكر العالمي المهيمن يتمّ بالتوازي مع الفعاليات الجارية حاليا وما تمثله من خطرٍ أسميته عولمة الإسلام (2). والتطويع الجاري به العمل بأشكال عديدة (3) ، يُضاف إلى التطويع الحاصل بعدُ للسياسة العربية، ما جعل هذه الأخيرة غير قادرة على الوقوف على رجليها.

يحق التساؤل، في ضوء ذلك، ما العمل لإنقاذ الفكر الديني الإنساني والسياسة، وكذلك ما سيؤول إليه التعايش بينهما بصفة أو بأخرى.

فبالرغم من أنّ عولمة الإسلام أمرٌ يحدث الآن، إلا أنّ ترويض الإسلام و تطويعه قد بدأ من قبلُ، عن طريق تهيئة السياسة لأن تكون غير مُمانِعة في محاولة عولمته، ما جعل المسألة الدينية إزاء مشروع النهوض وجهًا من الأزمة ولم تتشكل بعدُ في هيأة حلّ للأزمة.

من هنا نفهم لماذا مقولة "الإسلام هو الحل" بقيت شعارا لا أكثر. فهي مقولة سابقة لأوانها لأنّ الأمة، في مسيرتها نحو بناء جسمها، لم تستهلك حقبة ما بعد الإسلام كما ينبغي بعدُ. وهي مطالبة باستهلاكها على الآخر من باب الاستجابة لشروط النمو الطبيعي، مثلما هو الشأن بالنسبة لأيّ جسم في طريق النموّ.

والمشكل هو أنه وبقدر ما يزداد ضغط العولمة على الإسلام بقدر ما يخلق المجتمع العربي الإسلامي مبررات جديدة للضغط من جهته على مخاطر تمثلُ العولمةُ إمّا مركزها أو أطرافها. ولمّا لا يزال جسم الأمة هشا، فلم يبقَ له في كل الأحوال إلاّ اللجوء الدوري إلى رفع شعار "الإسلام هو الحل". وهكذا دوليك.

لذا إن أراد الفكر العربي الإسلامي رفع هذا التحدي، وذلك بتخليص الإسلام من بين فكي الإيديولوجيا الغربية بما فيها العولمة، فلا بد له: أولا، أن يفهم أبعادَ مقولة "الإسلام دين عولمة" (مقالي "نحن نشأنا من العولمة") وثانيا، أن ينكبّ على تحرير الفكر الديني الإنساني، وذلك بواسطة تنقيته من الشوائب التي غرسها فيه التمفصل السياسي على الطريقة الغربية.

لنأخذ "التيمّن" و"التيسّر" في السياسة. إنّ هذا الأسلوب في تقسيم الرأي والنضال، المعمول به في تشكيل الخرائط السياسية في العالم بأسره، كان له وما يزال خطورة كبيرة على وضع الخارطة السياسية في الوطن العربي والإسلامي عموما. والخطورة تكمن في الفوضى الغير مسبوقة التي أحدثها ويُحدثها هذا التقسيم في العقل المجتمعي العربي الإسلامي، وهو عقل متديّن بالإسلام عموما.

أمّا الفوضى فتتبلور وتنعكس في التضارب بين اليمين واليسار في الدين من جهة واليمين واليسار في السياسة من جهة أخرى. فاليمين في الإسلام هو كل ما طاب وما يُستحسن القيام به من أعمال بينما في السياسة هو الدفاع على مصالح الفئة القوية من الشعب ومساندة رأس المال وأصحابه. أمّا اليسار في الإسلام هو إجمالا ما قبُح من الأعمال.

أعتقد، والحالة تلك، أن لا يقدر المرء أن يطالب المواطن العربي و المسلم بأن يكون سياسيا بالمرّة. وإلاّ، فسيكون هذا الأخير ملزَما إمّا بترك الدين، وإمّا بترك السياسة، لكي يهدا بالُه مقدار هُنيهة و يهنأ بشيء من الراحة النفسية.

لكن أية راحة هذه التي ستجبر الأمة على السكوت عن كبريات قضاياها وحتى عن صغريات الشواغل لديها؟ ومِن أين للمواطن أن يكون فاعلا في مجتمع لا يعرف يمينه من يساره؟
لا أعتقد أنه سيكون من السهل استرداد المواطن العربي والمسلم لفاعليته وللميل الطبيعي، ككل إنسان طبيعي، إلى العمل والكدح. لذا فالحل سيكون متشعبا في مستوى تشعّب المشكلة.

أمّا واحدة من التشعبات الحاصلة بعدُ في عالم السياسة هي الإذعان المضحك لدى رموز الإسلام السياسي لمّا ينعتوه باليمينية، نظرا لركوبه صهوة الدين، في حين أنّه، في آخر تحليل، سيكشف عن تناقضين اثنين: واحد مع نفسه، والآخر مع من يُناهضهم.

بالفعل، يتناقض الإسلام السياسي مع نفسه لمّا لم يستوعب أنّ فكر اليمين في القرآن الكريم فكرٌ يمثل الخير بجميع أصنافه ويحث على خدمة الله في الفقراء والمساكين و اليتامي وجميع المستضعفين، أي أنه فكرٌ يتلاقى في كثير من الجوانب مع تطلعات فكر اليسار في السياسة العالمية، ويرفض رغم ذلك التموقع على يسار الخارطة النضالية السياسية. وكأنه لو فعل ذلك فقدَ إسلامه. وهكذا تصبح المسألة حالة في قلة الثقة بالنفس ليس للإسلام فيها ناقة ولا بعير.

كما تلاحظ، كنتيجة لذلك أنّ الإسلام السياسي، في واقع معظم نضاله ومعظم صراعاته، مناهضا للحساسية اليسارية التقليدية التي من المفروض أن يبدي اتفاقه معها في مُجمل المبادئ الإنسانية المنشود تكريسها. وهذه ذروة التناقض مع النفس، لأنّ الإسلام السياسي يناهض اليسار العلماني، لمجرّد أنه علماني وبالتالي لم يكن قادرا على إنجاز إلاّ القليل بخصوص الالتقاء معه في تبني حدٍّ أدنى من الأرضية المشتركة (فكرة "التكتل التاريخي" في بعض المجتمعات العربية آلت إلى النسيان وربما الفشل).

واليسار العلماني بدوره لا يعرف للراحة النفسية سبيلا. وكيف سيلقاها لمّ تراه يرفض أن يُخرج الدين من غرفة الصلاة أو حتى بضعة أمتار بعيدا عن السجاد. فلم يلقَ سعادة وقتية إلاّ في التحنّط والهروب إلى الأمام. وقد كان عليه أن يتفطن منذ الوهلة الأولى لذلك الخلل الموصوف في خلط يمين ويسار السياسة باليمين واليسار في داخل المنظومة الدينية للإسلام، فيقوم باللازم لخلط الأوراق وإعادة توزيعها من جديد. فلم يكن اليسار العلماني أذكى من اليمين الإسلامي ولا أقوى منه إرادة في العمل الصالح من أجل خيرٍ يعمّ الأمة قاطبة. والأمران من مأتاهما لا يستغربان.

ما الحل يا ترى؟ ما من شك في أنّ ما يشترك فيه الناس في العالم أجمع حاليا في باب مناهضة الاستعمار ومجابهة الاستبداد ومقاومة الاستغلال بكافة أنواعه هو خط اليسار، مع العلم أنّ هذا مجرّد تعميم لغاية تبسيط الفكرة، إذ أنّ اليسار المنظم ليس كله يسار، كما يقول تشومسكي، وهنالك من اليمينيين من هم أكثر دفاعا عن المستضعفين من اليساريين، كما أنّ هنالك يساريون أكثر عنجهية وميلا للاستبداد من كثير من اليمينيين.

و ما أقترحه (يُمنة ويُسرة) على الساحة السياسية المحلية و العربية هو فتح حوار وطني وقومي، وهو أضعف الإيمان، حول إمكانيات التكتل، لا بين يمين ويسار سياسي، وإنما بين يمين ديني ويسار سياسي؛ ولن يكون ذلك ممكنا إلاّ بواسطة الفلسفة والتربية أولا وبالذات، لا بالسياسة. ولهذا الغرض يتوجب على الأقل إنجاز ما يلي:

- استحداث مادة مدرسية تعنى بتفكيك مفهومي اليمين واليسار في السياسة بحسب مقتضيات إصلاح تربوي موصول يُفضي إلى جذع مشترك في مادتي التربية الدينية والتربية المدنية.

- متابعة نتائج التفكيك وذلك بإعادة تركيب العناصر التي تمّ تفكيكها بشكل لا يدع مجالا للخلط بين القيمة وضدها.

فما صلُح حسب الدين وجاء على اليمين، إمّا أن يُسمّى يسارا على الخارطة السياسية مع إردافه بآلية للصيانة وللوقاية من الانزلاق ثانية في نهج الخلط. وإمّا أن يُسمى يمينا، مثلما هو، لكن عندئذ تُفتح ثغرة جديدة، بل وتحدٍّ جديد، أمام الفكر العربي الإسلامي المستقبلي: كيف سينسّق تعامله وتواصله مع قوى الخير، كما مع قوى الشر، في العالم؟ بتحمّل أعباء التباين الاصطلاحي المستحدث بين "يمينهم" و"يميننا" وبين "يسارهم" و"يسارنا"، أم برفع التحدي ومتابعته إلى أقصاه، وذلك بقلب كل الموازين في الفكر السياسي العالمي، طبقا للفكر السياسي المحلي المستحدث، المنفتح بالضرورة على الفكر الكوني، بل والمتطلع إلى الارتقاء بواسطة التأثير فيه؟

*** الاجتهاد الثالث، تونس

الهوامش:

(1) في مقال "الامبراطور الأخير في مدينة العرب".

(2) محمد الحمّار، مقال "نحن نشأنا من العولمة إذن العولمة فرصتنا للنهوض".

(3) نذكر من بينها بالخصوص محاولات التوفيق، بل التلفيق، بين الإسلام والديمقراطية.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف