الأخبار
ارتفاع درجات الحرارة يفاقم معاناة النازحين في غزة ويزيد من البؤس اليوميالأمم المتحدة: إزالة الركام من قطاع غزة قد تستغرق 14 عاماًتصاعد الاحتجاجات الطلابية في الجامعات الأميركية ضد الحرب الإسرائيلية على غزةتفاصيل المقترح المصري الجديد بشأن صفقة التبادل ووقف إطلاق النار بغزةإعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزة
2024/4/27
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عرض حول :علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري: بقلم محمد المستاري

تاريخ النشر : 2010-03-24
 لماذا هذا العرض ؟
 الهدف منه ؟
 تقديــم عــام :
 المبحث الأول : التأثير الإجتماعي ؛ مفهومه ، أنواعه ، مستوياته .
 مقدمة :
أولا : مفهوم التأثير الإجتماعي .
ثانيا : مستويات التأثير الإجتماعي .
ثالثا : مظاهر التأثير الإجتماعي .
 خلاصة :
 المبحث الثاني : الإتصال الجماهيري ؛ تعريفه ، و ظيفته و أهميته ، علاقته بعلم الإجتماع
 مقدمة :
أولا : تعريف الإتصال الجماهيري وأنواعه .
ثانيا : و ظيفة و أهمية الإتصال الجماهيري بالنسبة للمجتمع .
ثالثا : علاقة علم الإجتماع بالإتصال الجماهيري .
 خلاصة :
 المبحث الثالث : علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري " الإعلام نموذجا من و سائل الإتصال الجماهيري في التأثير الإجتماعي "
 مقدمة :
أولا : أشكال الإعلام في التأثير على الأسرة و الجماعة .
ثانيا : النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه و سائل الإعلام بالنسبة للجمهور .
ثالثا : أنواع التأثيرات التي تحدثها و سائل الإعلام كشكل من أشكال الإتصال الجماهيري على الأفراد و الجماعة
 خلاصة :
 المبحث الرابع : التصدي من التأثيرات السلبية نحو التأثيرات الإيجابية التي يحدثها الإعلام كوسيلة من وسائل الإتصال الجماهيري .
 مقدمة :
أولا : كيفية إستثمار المضمون التأثيري للإعلام إيجابا .
ثانيا : الحلول المناسبة لمواجهة هذا السيل الجارف ( الإعلامي ) .
 خلاصة :
 خلاصـة عامـة :
 قائمة المراجع و المصادر :





بقلم محمد المستاريطالب باحث في علم الإجتماع

لماذا هذا العرض ؟

لقد إخترت عرض : " علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري " نظرا لكون الإتصال الجماهيري لم يعد موضوعا هامشيا في الحياة الإجتماعية . و خاصة في علاقته بالتأثير الإجتماعي ، و إنما أصبح من أهم الظواهر البشرية و الإجتماعية بحكم كونه نتاج لذاك التفاعل الذي يحصل بين الفرد و المجتمع ، علاوة على أن علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري أصبحت من الموضوعات التي شغلت الباحثين السوسيولوجيين منهم و علماء النفس الإجتماعي ، كما لا نغفل أن من موضوعات علم الإجتماع سوسيولوجيا الإعلام . و التي يشكل الإتصال الجماهيري أحد أشكالها ، فعلمي الإجتماع و علم النفس الإجتماعي يدرسا العلاقة بين الإتصال و مكونات البناء الإجتماعي أي ( العلاقات ، التفاعل ، أنماط السلوك ) . فالإتصال هو صيغة من صيغ التفاعل الإجتماعي أي بين عنصرين أساسيين في إطار البناء الإجتماعي ، المرسل لموضوعات التفاعل و المستقبل لها ، و كلاهما يؤثر و يتأثر في نطاق قبول موضوع التفاعل . فالإتصال الجماهيري يندرج كأحد الظواهر الإجتماعية في حياة الناس القائمة أساسا على التأثير في المواقف ، والإتجاهات ، و القيم ، و المعايير ، و أنماط التفكير .
كما أن علماء الإجتماع ينظرون إلى الإتصال الجماهيري على أنه ظاهرة إجتماعية لها تأثيرها و دورها في تماسك المجتمع و بناء العلاقات الإجتماعية . لدى نجدهم يدرسونه على حد سواء مستوياته و أشكاله المختلفة بين الفرد و المجتمع .

الهدف من العرض ؟

إن الهدف من هذا العرض ( " علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري" ) يتجلى بالأساس في الوقوف على العملية الإتصالية، و التعرف على حيثياتها و أبعادها و تأثيراتها و مكوناتها و علاقاتها بالظواهر الإجتماعية الأخرى ، خاصة الظواهر التي تعكس التفاعل بين الجماعات الاجتماعية .
كما تكمن أهمية دراسة " التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري " في محاولة فهم و تفسير متواضع للعلاقة التي تربط بين المفهومين : {{ التأثير الإجتماعي }} و {{ وسائل الإتصال الجماهيري }} ، والوعي بأهمية الإتصال الجماهيري في تنظيم العمليات الإجتماعية التي تنتج بين الأفراد و الجماعات من توافق و إتفاق و تعاون و تأثير ...و خاصة وسائل الإعلام التي تمثل أحد أشكال الإتصال الجماهيري ، و تعتبر سيف ذو حدين في تأثيرها القوي على سلوك الفرد و الجماعة إما إيجابا أو سلبا ، الشئ الذي يفيد في العناية و الإهتمام بوسائل الإعلام حتى تؤثر إيجابا و تقوم بتثقيف الأفراد عن طريق الأفكار العلمية التي تفيدهم في حياتهم ...و نبقى إزاء تأثير وسائل الإتصال الجماهيري تأثيرا إيجابيا على سلوك الأفراد و الجماعات .



* * * * * * * * * *









________________________________________


تقديــم عــام :
 لا ريب في أن موضوع " التأثير الإجتماعي " في علاقته بـ " وسائل الإتصال الجماهيري " في هذا العصر أصبح من بين أهم المواضيع التي أخدت إهتماما بالغا في علم النفس الإجتماعي ، و علم الإجتماع ، و علم الإتصال ، نظرا للتأثيرات الواضحة و الأكثر خطورة التي تتركها وسائل الإتصال الجماهيري على الأفراد و الجماعات من خلال نظرياتها المتنوعة ، و الدعامات التي تعتمدها ، و الشروط التي توظفها في التأثير على المتلقي ، بحيث لم يبقى الفرد مؤثرا من طرف وسائل الإعلام فحسب ، بل أصبح مستهدفا بأديولوجياتها الإستهلاكية ...فكيف هي إذن العلاقة بين الإعلام و الأفراد ؟؟؟
وقد ركَّزت في هذا العرض على أربع مباحث ربما أعتبرها أساسية و هي كالتالي :
المبحث الأول : يهم الشق الأول من العرض (و هو التأثير الإجتماعي) من أجل معرفة المفهوم و أنواعه ..
المبحث الثاني : فهو يهم الشق الثاني من العرض بالتعرف على الإتصال الجماهيري و حيثياته .
المبحث الثالث : حاولت أن أوضح فيه قدر الإمكان العلاقة و تجلياتها بين التأثير الإجتماعي و وسائل الإتصال الجماهيري ، خاصة قد ركزت في هذا المبحث على وسائل الإعلام ونظرياتها التأثيرية و بالخصوص التلفيزيون نظرا لإرتباطنا القوي به .
المبحث الرابع : فهو عبارة عن توجيهات وإقتراحات متواضعة ، تهم كيفية التعامل مع الإعلام و الإستفادة منه .
 المبحث الأول : التأثير الإجتماعي ؛ مفهومه ، أنواعه ، مستوياته :
 مقدمـة :
يعد التأثير الإجتماعي من بين المفاهيم التي نالت الدراسات في المجال العلمي و لا سيما في علم النفس الإجتماعي بحكم كونه مرتبط بالنسق الإجتماعي ..فماهو إذن المفهوم تحديدا ، وماهي أنواعه ، و مستوياته ؟
أولا : مفهوم التأثير الإجتماعي :
يعتبر التأثير الإجتماعي هو تلك النتيجة الهامة التي تتم بعد مرحلتي المواجهة و التبادل . أي أن الحديث عن التأثير الإجتماعي يفترض مرحلة أساسية و إستراتيجية و هي التفاعل الإجتماعي الذي يتم بين طرفين أو جماعتين . و بعد هذه المرحلة و العلاقة الإجتماعية الضرورية يحصل التأثير الإجتماعي ، بحيث نتكلم عن مُؤَثِِّّر و مُؤَثََّّر . فالأول ، هو ذلك الفرد أو تلك الجماعة التي إعتمدت القدرة على إثبات الصواب لديها عن طريق المهارة و البرهان ...، و اما الثاني ، فهو ذلك الشخص أو تلك الجماعة المغيرة لسلوكها حيث إنبهارها بصواب الطرف الآخر الذي أثر في سلوكها و جعلها تغير موقفها .
و يتميز التأثير الإجتماعي بكونه شرطا أساسيا يميز عملية التفاعل الإجتماعي التي في تعريفها يظهر معنى التأثير. و يعرف التفاعل بأنه : ( إلتقاء سلوك شخص أو مجموعة أشخاص مع سلوك شخص آخر أو مجموعة أشخاص آخرين في عملية توافق تبادلية يترتب عليها أن يتأثر سلوك كل طرف بسلوك الآخر . بحيث يكون سلوك أي منهما منبها أو مثيرا لسلوك الطرف الآخر ) . كما يعرف التفاعل الإجتماعي بصورة عامة على أنه : ( العملية التي يرتبط بها اعضاء الجماعة بعضهم مع بعض عمليا وواقعيا وفي الحاجات والرغبات والوسائل والغايات والمعارف . أما التفاعل الإجتماعي إجرائيا هو ما يحدث عندما يتصل فرد أوأكثر”وليس بالضرورة إتصالا ماديا “ ويحدث نتيجة لذلك تعديل السلوك. ) .
ثانيا : مستويات التأثير الإجتماعي :
التأثير بين الأفراد :
و يظهر هذا النوع من التأثيرات عادة في العلاقات : كعلاقات الصداقة و علاقات الزواج . فمثلا التأثير في علاقات الصداقة . و إن كان متبادلا ، إلا و يكون أحدهم أقوى من الآخر تأثيرا ، فمثلا الصديق (أ) يؤثر على صديقه (ب) لأن الأول مثلا له القدرة و المهارة في آلية التواصل ، و متفوق و ناجح في حياته و ما إلى ذلك من أشكال تؤثر . كما نجده في علاقات الزواج : الزوج يؤثر في زوجته نظرا لجديته و حسن تعامله ، و قد تؤثر الزوجة في زوجها بحوارها الهادئ مثلا وذكائها ...
التأثير بين الأفراد و الجماعات :
وفي هذا المستوى ، نتحدث عن تأثير متبادل ، قد يتأثر الفرد بالجماعة . كما قد يؤثر هو أيضا بدوره في الجماعة :
- لكن ، في كثير من الأحوال يكون الفرد في موضع تأثر إذا كان في تجانس مع الجماعة ، حيث نجده يتأثر بالسلوكات السائدة التي يراها في العديد من الأشخاص الذين هم بدورهم يشكلون جماعة .. و مثال على ذلك الطفل في وسط الأسرة يتأثر بكل فرد فيها .

- و بالمقابل ، قد يؤثر الفرد في الجماعة ، و ذلك واضح في مشاهد القيادة و الرئاسة ، بحيث نجد الفرد قد يؤثر كلية على سلوكات الجماعة و يترك صدى عميقا عليها ، و التاريخ يشهد على ذلك . مثل قيادة جمال عبد الناصر، و tchigivara ، وهتلر . و صور أخرى واضحة تبين تأثير الفرد على الجماعة مثل تقليـدهم للفنانين و الممثليـن و الرياضيين، بحيث نجدهم يقلدونهم في لباسهم ، و مشيهم ، و في حلاقة شعرهم ، وحتى في طريقة كلامهم و ما إلى ذلك ...
التأثير بين الأفراد ووسائل الإتصال الجماهيري :
و يظهر هذا النوع من التأثيرات واضحا في كون وسائل الإتصال الجماهيري لها القدرة و الإستطاعة من خلال نظرياتها المتنوعة ، و ذات الدراسات القبلية على تغيير موقف وإتجاه سلوكات الأفراد ، بل و أن تأثيراتها أصبحت أكثر و ضوحا و أشد خطورة ...و سنتعرف على هذا النوع أكثر تفصيلا في المبحث الثالث من عرضنا هذا .
التأثير بين الأفراد و الثقافة :
و يتجلى هذا النوع من التأثير في كون الفرد يتأثر بثقافة المجتمع السائدة ، بحيث لا نجد فردا ما يقوم بعادات و تقاليد من تلقاء نفسه ، بل على العكس نجده متأثرا بها و يحافظ عليها حتى في خروجه من وطنه نحو ثقافة وطن آخر . كما أن الثقافة تتأثر بالمجتمع لأنها أولا نابعة منه .
ثالثا : مظاهر التأثير الإجتماعي
إن من أهم مظاهر التفاعل الإجتماعي كما يراه علماء النفس الإجتماعي تقييم الذات والآخرين وإعادة التقييم والتقويم المستمر، وان التأثير في التفاعل الإجتماعي يتوقف على شخصية الفرد ومكانته الإجتماعية. و تستخدم كلمة تقييم لتدل على الجانب الوجداني ، أي تحديد نظام مشترك تقيم في ضوئه الحلول المختلفة ويشمل ذلك :
طلب الرأي والتقييم والتحليل والتعبير عن المشاعر والرغبات ” ماشعورهم نحو المشكلة، هل المشكلة مهمة، هل يمكن عمل شيء تجاهها، هل عمل هذا او ذاك.. الخ
و من بين مظاهر التأثير الإجتماعي نشير فقط بإختصار وجيز :
-التعاون : هو تفاعل بين شخصين أو جماعتين لتحقيق أشياء تصعب على الفرد إنجازها لوحده ، و هو ضرورة من ضروريات الحياة .
-التنافس : وهو خاصية إنسانية ، يتم بين فردين أو جماعتين مثل تنافس التلاميذ في الحصول على النقطة الأولى. وهو خاصية إنسانية و يمكن إعتبارها جزء من النسق الإجتماعي .
-التوافق : وهو تواؤم وتكيف و تأقلم فردين أو جماعتين على فكرة أو مسألة ما ، و تكون الحالة النفسية مستقرة. يظهر في هذا الشكل التماسك و تقديم العون و المساعدة ...
-الصراع : و هو عبارة عن شكل من أشكال التفاعل بين فردين أو جماعتين يتميز بالتوثر و الإنفعال و المقاومة للحصول على نفس الأشياء ، و مثال على ذلك : الصراع بين رياضيين من أجل الحصول على جائزة البطولة ، أو فرق كرة القدم من أجل الحصول على كأس العالم . و الصراع صفة إنسانية ...
 خلاصـة :
وفي الأخير يمكننا القول بأن التأثير الإجتماعي هو مرحلة جوهرية لكونها تميز العملية التفاعلية ، و يتخذ عدة مستويات و مظاهر . عنيت بها العديد من الدراسات و الأبحاث لكونها تشكل أساس البناء الإجتماعي .
 المبحث الثاني : الإتصال الجماهيري ؛ تعريفه ، وظيفته و أهميته ، علاقته بعلم الإجتماع :
 مقدمـة :
يعتبر الإتصال الجماهيري من بين أهم الظواهر البشرية و الإجتماعية التي إهتم بها علماء الإجتماع و علم النفس الإجتماعي ، بفعل أهميته الواضحة في بناء و تشكيل العلاقات الإجتماعية التي في غيابه لايمكنا الحديث عنها. فما هو إذن ؛ الإتصال الجماهيري ؟ و ماهي أنواعه ؟ و ماذا عن أهميته و وظيفته بالنسبة للمجتمع ؟ وما علاقته بعلم الإجتماع ؟
أولا : تعريف الإتصال الجماهيري و أنواعه :
يقصد بالإتصال الجماهيري على أنه عملية التفاعل الإجتماعي من أجل إشباع الحاجات المتنوعة ، فهو إذن من أهم الظواهر البشرية و الإجتماعية ، لأنه نتاج للتفاعل بين الفرد و المجتمع . كما أنه يعني ( أي الإتصال الجماهيري ) الضرورة البشرية الملحة التي يعيش الإنسان معها طوال عمره لأجل إشباع حاجاته المتعددة .
علاوة على أن الإتصال الجماهيري يقصد به أيضا تلك العملية التي تتم بإستخدام و سائل الإعلام الجماهيري . و يتميز (الإتصال الجماهيري) في قدرته على توصيل الرسائل إلى جمهور عريض و متباين الإتجاهات و المستويات ، حيث تصلهم الرسالة في نفس اللحظة و بسرعة فائقة من خلال
وسائل الإعلام الجماهيرية ، و التي تتمثل مقدرتها الإتصالية في إستخدام معدات ميكانيكية و إلكترونية متطورة .
و نجد من أكثر التعريفات شمولا للإتصال هو ذلك الذي يشير إليه بإعتباره ( عملية إشتراك و مشاركة في المعنى من خلال التفاعل الرمزي ، تتميز بالإنتشار في الزمان و المكان ، فضلا عن إستمراريتها و قابليتها للتنبؤ ) .
و للإتصال الجماهيري عدة أنواع نذكر منها :
أ-الإعلام : و هو عملية إتصال موضوعية تهدف و ترمي إلى تزويد الجماهير بالمعلومات الصحيحة و تنظم التفاعل بينها .
ب-الإعلان : وهو من وسائل الدعاية التجارية لتسويق المنتجات و السلع عن طريق توجيه الجمهور و لفت نظره ، و لاشك أن الترويج لهذه السلع أسهل من ترويج الأفكار و المبادئ ، و ذلك لأن الحاجة المادية أقوى بكثير عند الإنسان من غيرها .
ج-التعليم : يعرف التعليم على أنه إحداث سلوك مستجد عند المتعلم ، يحمل نظريات مختلفة في طريق تنمية الفكر و تقوية ملكات النقد و تربية الشخصية ، كما أن التعليم يوثق جدور الحضارة مع الحاضر فيغرس في الأذهان المفاهيم و المبادئ المستحبة .
د-الدعاية : و يتميز هذا النوع من الإتصال الجماهيري بأسلوب الإغراء و الإستهواء بغض النظر إلى الموضوع الذي ترمي و تهدف إليه ، فهي ترمي إلى التأثير على السلوك أكثرمما ترمي إلى الإقناع . لدى نجدها قوية التأثير في مجتمع النساء و الجماعات البدائية و الفقيرة و الأطفال . و من وسائل الدعاية المألوفة نجد الصحف ، و التلفزيون ، و المجلات ، و أغلفة البضائع ، ... إلخ .
ثانيا : وظيفة و أهمية الإتصال الجماهيري بالنسبة للمجتمع :
مما لا شك فيه أن و سائل الإتصال الجماهيري تؤدي عدة مهمات ووظائف لا تخفى عنا . و تتجلى بالأساس في إفهام أفراد المجتمع لمهامهم و إحتياجاتهم و في التربية على الإعداد النفسي للعمل و الحركة ، كما تقوم بدور خاص في العمليات الإجتماعية – السيكولوجية – لتراص و وحدة الذات الإجتماعية للنشاط الإتصالي الجماهيري .
و هناك أيضا أهمية بالغة و كبيرة للإتصال الجماهيري بالنسبة للمجتمع ، فقد لا يختلف إثنان على صعوبة الحديث عن أية عملية إجتماعية تنتج بين الأفراد ، و جماعات ، و مؤسسات بدون قناة و وسيلة للإتصال . إذ لا تصح نماذج العملية الإجتماعية في التوافق و الإتفاق و التعاون و التخصص و التثقيف بدون إتصال .
وبمعنى آخر ، يخص الإتصال الجماهيري ، لا يمكننا تصور علاقات منسجمة ، و تفاعلات حقيقية ، و أنماط سلوك واعية بدون إتصال و بدون و جود وعمل وسائل الإتصال . فإختفاء الإتصال و وسائله ، يعني بالمقابل محو و موت الحياة الإجتماعية المعاصرة ، و إختفاء لكل أشكال التفاعل الإجتماعي و أنماط السلوك المتحضر .
و يرى عالم الإجتماع البريطاني أنطوني غيدنز أن : ( لوسائل الإعلام أهمية تعادل ما للمدارس و الجامعات في إقامة مجتمع المعرفة ، و كلما إتسع هامش الحريات التي تتمتع بها وزاد إهتمامها بالقضايا المهمة مثل الحكم الصالح ، و التمكين الإجتماعي ، تعززت الحوافز لتأسيس مجتمع المعرفة . غير أن أوجه القصور في وسائل الإعلام العربية تقلل من فاعليتها في هذا المجال ، كما أن السيطرة الحكومية و غياب الحريات الصحفية يقفان حجر عثرة و يحولان دون وصول عامة الناس إلى المعلومات . و بالمقارنة مع المعدلات العالمية عموما ، فإن نسبة وسائل الإعلام لعدد السكان هي الأدنى في البلدان العربية . وأن أكثر من 70% من قنوات التلفزيون العربية هي تحت إشراف الدولة التي تملك بدورها ، وكالات الأنباء . و كان من ذلك نشر أخبار سلطوية الطابع هزيلة المضمون ، تكاد تقتصر على الأخبار الرسمية ، أو أنشطة كبار رجال السلطة ، و نادرا ما تحمل المعلومات التي تهم أغلبية الناس و تثري مخزون المعرفة الناقصة لديهم ) . الشئ الذي يبين بأن الإعلام قد يقدم ويساهم في بناء مجتمع المعرفة مالم يكن مقيدا تحت السيطرة الحكومية ...
ثالثا : علاقة علم الإجتماع بالإتصال الجماهيري :
يرى علماء الإجتماع أن الإتصال الجماهيري ظاهرة إجتماعية لها دورها في تراص و تماسك المجتمع ، و أيضا لها دورها في بناء العلاقات الإجتماعية ، الشئ الذي يوضح أن المجتمع الإنساني يقوم على مجموعة من العلاقات قوامها وأساسها الإتصال . و أن ما يجمع بين أفراد المجتمع هي حقيقة علاقات الإتصال ، التي هي ضرورة من ضرورات سيرورة الحياة الإجتماعية . و في هذا الصدد نجد أحمد بوزيد يعرف الإتصال بأنه : {{ العملية التي تمكن بمقتضاها تكوين العلاقات بين أعضاء المجتمع بصرف النظر حول حجم المجتمع و طبيعة تكوينه و تبادل الآرء و المعلومات و الأفكار فيما بينهم }} .
كما يمكننا أن نوضح العلاقة التي تجمع بين علم الإجتماع و الإتصال الجماهيري في كون علم الإجتماع يقوم بدراسة الظواهر الإجتماعية التي تؤثر في و سائل الإتصال داخل البنية الإجتماعية ، فالعلاقة الأساسية التي تجمع بين علم الإجتماع و الإتصال تكمن إذن في أن الإتصال و وسائله عبارة عن ظاهرة من الظواهر الإجتماعية ، وعلم الإجتماع مسؤول لا محال على دراستها و تفسيرها .
 خلاصـة :
و إستخلاصا لما سقناه عن الإتصال الجماهيري من مفهوم و أنواع و أهمية و علاقة بعلم الإجتماع ، يمكننا القول بأن الإتصال الجماهيري يقدم للمجتمع خدمة جلية ، حيث أن الإعلام و الإتصال الذي يتزايد تداوله هو الذي يقوم بإحداث التغيرات في المجتمع ، فالباحث الإجتماعي لا يستطيع دراسة الظواهر الإجتماعية في غنى عن الإتصال و وسائله . أي أن وسائل الإتصال تستطيع أن تقدم مساهمة كبيرة لعلم الاجتماع لدراسة التغير الاجتماعي . وفي الأخير ، صحيح قولنا :
أن علم الاجتماع بحاجة للإتصال بحيث تكون العلاقة بينهما علاقة تؤدي إلى الترابط .
 المبحث الثالث :علاقة التأثير الإجتماعي بوسائل الإتصال الجماهيري{{ الإعلام نموذجــا من وسائل الإتصال الجماهيري في التأثير الإجتماعي }} :
مقدمـة :
إن أشكال و وسائل الإعلام كثيرة و متنوعة ، منها المقروءة ومنها المرئية و المسموعة وغيرها ، وكل منها تتفاوت في التأثير على الأسرة و الجماعة ، بحسب مقدرتها على إشراك المتلقي مع المضمون الإعلامي .
أولا : أشكال الإعلام في التأثير على الأسرة و الجماعة .
إن لوسائل الإعلام دور كبير و تؤثر تأثيرا كبيرا في بناء أو تخريب الأسرة . أي تعتبر وسائل الإعلام سلاح ذو حدين ، فقد تؤثر إيجابا على الأفراد من خلال تعليمهم السلوكات الصحية ، وقد تؤثر عليهم سلبا حيث تساهم في جعلهم مدمنين أو منحرفين و مجرمين ، لكننا و للأسف الشديد قلمّا نجدها في النوع الأول ، و كثيرا مانجدها تؤثر سلبا و تحرِّض على الإنحراف ، وهذا ليس حكم عن طريق التلقائية و إنما عن كثرة وجود الباحثين و المهتمين بعلم النفس و علم الإجتماع لنتيجة التأثير السلبي لوسائل الإعلام ( أن موضوع التأثير السلبي لوسائل الإعلام لا سيما التلفيزيون و السينما يثير جدلا كبيرا بين المهتمين بهذا الموضوع و على وجه الخصوص علماء النفس و الإجتماع ...ويكاد يكون من المسلم به أن التأثير السلبي لوسائل الإعلام يتجلى خصوصا لدى الأشخاص الذين لديهم الإستعداد للتأثير بالجوانب السلبية التي تبثه وسائل الإعلام ، بحكم تكوينهم الشخصي و تنشئتهم و ظروفهم الإجتماعية و الحالة النفسية التي يوجدون فيها أثناء تلقيهم للرسالة الإعلامية . ) .
و من الأمور الصعبة هي أن الإعلام أصبح ينافس الأسرة و المدرسة ( يتفق عدد من المهتمين بقضايا التنشئة الإجتماعية إلى أن وسائل الإعلام ، ولا سيما التلفيزيون ، تلعب الآن دورا معارضا الدور الإيجابي لكل من الأسرة و المدرسة فيما يخص التأثير على الأطفال و الشباب . و يشير الخبير الإعلامي { هالوران } إلى أن إحدى الدراسات الميدانية في هذا المجال توصلت إلى نتيجة مرعبة على حد تعبيره . و تتمثل هذه النتيجة في أن 87% من الأطفال في سن الحادية عشرة ، الذين شملتهم الدراسة ، أعلنوا أنهم يثقون بالتلفزيون أكثر من ثقتهم بأي مصدر آخر . و يضيف { وعندما سألنا هؤلاء الأطفال : إذا سمعتم قصة من والديكم أو من مدرسكم أو من التلفزيون ، فأية رواية تصدقون ، أجاب 54 % من هؤلاء أنهم يصدقون التلفيزيون . ) .
و يميل عدد من الخبراء الذين تناولوا بالدرس ظاهرة تأثير وسائل الإعلام على السلوك الإنساني إلى تأييد و جهة نظر { هالوران } . و يرى هؤلاء : ( أن الكثير من القيم التي كانت تتمسك بها الأسرة و المدرسة – خاصة في المجتمعات الغربية - أخذت في الإضمحلال لتحل محلها قيم مأخوذة من وسائل الإعلام و لا تستند إلى معايير أخلاقية و إجتماعية . و هذه الظاهرة بدأت تغزو بلدان العالم الثالث ، بما فيها المجتمعات العربية ، حيث بدأ جيل الشباب يفقد تدريجيا المرجعية الثقافية الوطنية و أصبح أكثر تأثرا بما ينقله إليه الإعلام الغربي مما أضعف تمسكه بما يسود مجتمعاته من قيم روحية و أخلاقية و من عادات و تقاليد ... ) .
ونجد عالم الإجتماع البريطاني غيدنز في أشكال الإعلام في التأثير على الجماعة يعتبر ان ( طبيعة الوسيلة الإعلامية المستخدمة في المجتمع تؤثر في بنية المجتمع أكثر مما يتركه المضمون أو المحتوى أو الرسالة التي تنقلها وسائل الإعلام ) . كما نجده يضيف أن ( وسائل الإتصال في الوطن العربي ، مع إستثناءات قليلة هي بنت السلطة أو ربيبتها ، و هي الأدوات الأساسية للتعبئة السياسية ، أو الشحن العاطفي النفسي ) . و في أخرى نجد غيدنز يعتبر ( المواطـن العربي مجرد هدف للإتصال الذي يستهدف قولبته في قوالب ذهنية معينة ، ذات أبعاد محددة ، تزيد من سلبيته ، و قلة مشاركته في الحياة السياسية ، هذا و إن كانت مشاركته السياسية مطلوبة أصلا أو مرغوبا فيها من قبل النظم الإتصالية القطرية ) .
ثانيا : النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه و سائل الإعلام بالنسبة للجمهور :
إن الحديث عن النظريات المتعلقة بنوع التأثير الذي تحدثه وسائل الإعلام بالنسبة للمجتمع ، هو حديث عن نظريات كثيرة و متنوعة إلى حد إمتلاء مجالها العلمي بالعديد من الكتابات القيمة ، و المراجع العلمية ، التي خصت و همت نشأتها و تطورها و أنواعها و ما إلى ذلك .
كما يذهب بنا الحديث عن النظريات المتعلقة بنوع التأثيرالإعلامي الذي تحدثه وسائل الإعلام بالنسبة للجمهور إلى إهتمام علماء الإتصال الجماهيري بها ، و الإعتراف بعظم أثرها على الجمهور ، و تصنيفهم لها من أهم وسائل التأثير على المجتمع .
و يصنف الباحثون النظريات الإعلامية على حسب المجال الذي تتصل به إلى : النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه وسائل الإعلام في الجمهور ، و النظريات المتعلقة بالجمهور ، و النظريات المتعلقة بالقائم بالإتصال . و من بين أهم النظريات نذكر :
1- نظرية الرصاصة : *
ظهر التيار النظري الذي يقول بالتأثير القوي لوسائل الاتصال في العشرينات من ق 20 أي بعد نهاية الحرب العالمية الأولى . و أطلقت على هذه النظرية عدة مسميات من أهمها نظرية الرصاصة أو الطلقة السحرية Magic Bullet Theory أي أن الرسالة الإعلامية قوية جدا في تأثيرها ، و شبهت بالطلقة النارية التي إذا صوبت بشكل دقيق لا تخطا الهدف مهما كانت دفاعاته ، كما سميت بنظرية الحقنة أو الإبرة تحت الجلدية Hypodermic Needle وشبهت الرسالة هنا بالمحلول الذي يحقن به الوريد و يصل في ظرف لحظات إلى كل أطراف الجسم عبر الدورة الدموية و يكون تأثيره قوي و لا يمكن الفكاك منه .
وتعني هذه النظرية أن الفرد يتأثر بمضمون الوسيلة الإعلامية تأثيرا تلقائيا و مباشرا ، كما يرى أصحاب هذه النظرية أن وسائل الإعلام لها تأثير قوي و مباشر على الفرد و المجتمع يكاد يبلغ حد الهيمنة . وهذا التأثير قوي و فعَّال مثل الرصاصة ، و لايفلت منه أحد ، و كما نرى أن تأثيرها قوي و سريع و مباشر مثل تأثير رصاصة البندقية ، إلا أن أثرها قصير المدى .
2- نظرية التأثير التراكمي : *
يرى أصحاب هذا النوع من النظريات أن تأثير وسائل الإعلام لا يظهر مباشرة ، و إنما بعد فترة زمنية طويلة من خلال تراكم المتابعة الإعلامية ، حيث يرون أن العرض الهائل للأفكار و القناعات المبثوثة عبر وسائل الإعلام تؤثر بشكل ملحوظ على المتلفي على مر الزمـن .
و من أمثلة هذا النوع نظرية دوامة الصمت التي تقوم على فرضية : أن قيام وسائل الإعلام بعرض رأي الأغلبية ، يقلل من أفراد الرأي المعارض ، و تأثير هذه النظرية بطئ و طويل المدى ، إلا أن أثرها كبير و كبير جدا .
3- نظرية التطعيم أو التلقيح : *
و يمكن وصف هذه النظرية بأنها غرس تدريجي لما ينتقل عبر وسائل الإعلام ، حيث يتأثر المتلقي دون إدراك و وعي بما تعرضه وسائل الإعـلام بشكل متواصل ، فيصاب بنوع من التبلد و عدم الإحساس ، فتكرار المناظرة الفاضحة عبر هذه الوسائل يصنع في نفوس الناس شيئا من اللامبالاة تجاه ما يُرى في المجتمع من تبرج و فضائح . و نظرية التطعيم أو التلقيح هي جرعات من القيم الفكرية تجعل الأمور عادية و بديهية و مألوفة .
4- نظرية التأثير على مرحلتين : *
و يقصد بهذه النظرية انتقال المعلومات و الأفكار على مرحلتين من خلال تلقي الناس للمعلومات التي تبثها وسائل الإعلام ومن خلال تفسيرات قادة الرأي لهذه المعلومات ، ففي السابق كان يظن أن لوسائل الإعلام التأثير المطلق في المتلقي ، إلا أن هذه النظرية تبثت عكس ذلك ، فالرسائل تنتقل من وسائل الإعلام إلى قادة الرأي ومن ثم إلى الجماهير، فالإعلام المباشر قد لا يؤثر فينا أو يكون تأثيره محدود ، و على العكس من ذلك إذا انضم له قائد الرأي الذي لديه النفوذ المادي و المعنوي الذي يفسر الرسائل الإعلامية بالطريقة التي يراها ، على أساس تكوينه الثقافي ، وهذه النظرية تظهر بوضوح في الحملات الإنتخابية ومثل هذه الأمور.
5- نظرية تحديد الأولويات : *
تصنَّف نظرية تحديد الأولويات على أنها من نظريات القائم بالاتصال ، ذلك لافتراض النظرية أن وسائل الإعلام هي من يقوم بترتيب إهتمامات الجمهور من خلال إبراز القضايا التي تستحق، وإهمال قضايا أخرى. فيبدي الجمهور إهتمامه بهذه القضايا دون غيرها .و لهذه النظرية تأثير قوي جدا ، و ذلك من خلال وسائل الإعلام التي تبث أحيانا برامج و مواضيع تعطيها حيزا كبيرا من الوقت وتركز عليها حتى تبدو للمشاهد أنها أهم من غيرها و تجعله يهمل مواضيع أكثر منها أهمية وقيمة .
6-نظرية حارس البوابة : *
يقصد بنظرية حارس البوابة القائمون و المسؤولون على الوسيلة الإعلامية ، الذين يتحكمون بمضمون الرسالة المنشورة ، فتمر الرسالة الإعلامية بعدة مراحل و هي تنتقل من المصدر إلى المتلقي ليتم التقريرما إذا كانت الرسالة التي تلقوها سوف ينقلونها أو لن ينقلونها أو ستطرأ عليها بعض التغييرات و التعديلات ، فينشرون ما يريدون ، ويمنعون ما لا يريدون نشره ، و نظرية حارس البوابة تعني السيطرة على مكان إستراتيجي في سلسلة الإتصال ، بحيث يصبح لحارس البوابة أي القائم على الوسيلة الإعلامية سلطة إتخاذ القرار فيما سيمر من خلال بوابته ، فنظرية كهذه تؤثر من ناحيتين : من ناحية المادة التي تم نشرها ، ومن ناحية المادة التي تم منعها ! إن نظرية كهذه جميلة جدًا، وفاعلة جدًا، ومؤثرة جدًا، إذا كان (حارس البوابة) على قدر المسؤولية ، ويدرك أهمية (فلترة) المضمون الإعلامي ، لتتوافق مع هوية الجمهور ، وتنسجم مع قيمه وثقافته، وهي – في المقابل- تعيسة جدًا، وخطيرة جدًا، إذا استغل هذا (الحارس) وظيفته في تمرير أهوائه، أو تحقيق مصالحه، أو تطويع (البوابة) لتتسلل من خلالها الأجسام الغريبة، والأفكار الرديئة .
7- نظرية الإشبـاع : *
تعني نظرية الإشباع أن الأفراد و الجمهور يستخدمون المواد الإعلامية من أجل الإشباع لرغباتهم و حاجاتهم الكامنة الداخلية ، حيث أن الأفراد و الجمهور هم الذين يحددون نوع المضمون الإعلامي الذي يرغبون فيه ، وأن دور وسائل الإعلام لايتعدى تلبية الحاجات و الرغبات فقط .
ثالثا : أنواع التأثيرات التي تحدثها وسائل الإعلام كشكل من أشكال الإتصال الجماهيري على الأفراد والجماعة :
بعد أن تطرقنا إلى النظريات المتعلقة بنوع التأثير الإعلامي الذي تحدثه وسائل الإتصال في الجمهور ، و قمنا بتعريفها ( أي النظريات ) إتضح لنا فعلا أن من شأنها تقديم تصورات عن كيفية عمل الإعلام و تأثيره ، كما إتضح لنا أن النظرية تشرح ما تحدثه في الجمهور من تأثير . و من أنواع التأثيرات التي تحدثها وسائل الإعلام كشكل من أشكال الإتصال الجماهيري على الأفراد و الجماعة نجد :
 النوع الأول : تغيير الموقف {*}
المقصود بهذا النوع من أنواع التأثيرات هو قدرة وسائل الإعلام من خلال ماتنشره وتبثه من مواضيع على تغيير نظرة و موقف و إتجاه الناس إلى العالم . سواء على مستوى الأشخاص أو القضايا ، أو على مستوى السلوك و القيم . إذ نجد الأشخاص بناء على ما يتلقونه من مضامين وسائل الإعلام سواء أكانت صحيحة أو مشوهة أو حتى مكذوبة وشائعة فإنها تؤثر فيهم ، و تستطيع تغيير منحى موقفهم إذا صح القول ، لأنهم أصبحوا يتعرضون لها و حدها بطريقة الإدمان . و معلوم أن نتيجة التلقي من مصدر واحد هو فهم الأمور و الحكم عليها . و هناك في هذا النوع التأثيري العشرات من الأمثلة ...
 النوع الثانـي : التغيير المعرفي {*}
و معنى هذا النوع من التأثيرات هو كون وسائل الإعلام لها القدرة و الإستطاعة في أن تؤثر في التكوين المعرفي للأفراد ، و ذلك يتم من خلال عملية التعرض الطويلة المدى لوسائل الإعلام كمصادر للمعلومات الموثوقة . فتقوم بتوجيه معارفنا حسب المنحى الذي تريده فتغير في أسلوب و نمط وطريقة تفكير الفرد و قناعاته المكتسبة
 النوع الثالـث : التنشئة الإجتماعية {*}
و يعني هذا النوع من التأثيرات أن كل ما نسمعه أو نراه أو نقرأه لا يخلو من هدف بل هو مشحون بالقيم ، وهذا هو الذي يعرف عنه ( بالتنشئة الإجتماعية ) ، فيُعمل على تلقين المُستقبل مجموعة من المعارف لتشكيل الهوية الثقافية ، فالتعرض المستمر للرسائل الإعلامية المشحونة بالقيم ، إذ تُعرض بقوالب جذابة تسمح لها بالتسلل إلى اللاشعور لتشكل إتجاهاً معيناً – دون وعي كامل من المتلقي – فليس هنالك أخبار محايدة ولا ترفيه بريء ! بل كلٌ يحمل في طياته وبين سطوره كثيراً من القيم الخفية التي يراد ترويجها إلا أنها لا تُقبل في العلن بل تقابل بالرفض ، فيُلجئ إلى هذا الأسلوب المغلف ، ليظهر أثر هذه القيم على المتلقي عبر المدى البعيد .
 النوع الرابـع : الإثارة الجماعية +
و تسمى أيضا ، وسائل الإتصال الجماهيرية ، وهي من أهم خصائص وسائل الإعلام لإستطاعتها و مقدرتها على إثارة الجماهير و تحريكها لتحقيق غرض معين ، عن طريق تكييف الجماهير معه ، في الحروب مثلا ، و في حالة الكوارث الطبيعية . إلا أن من سلبيات هذا النوع من التأثيرات سوء إستخدامه في المناسبات ، مثل صنع وسائل الإعلام قلقا معينا بلا مبرر له في أوساط النـاس ( مثلا إفلوانزا الخنازير إذا كان غير موجود ) . و من أحسن الأحوال لإستخدام الإثارة الجماعية هي في حالات الكوارث الطبيعية و الأوبئة و تسمى بفن إدارة الأزمات ، أي مخاطبة و تكييف فئة عريضة من الناس مع ظروف الأزمات .
 النوع الخامس : الإستشارة العاطفية +
يكمن دور وسائل الإعلام في عملية الإستشارة العاطفية ، في كون النفوذ القوي للعواطف الذي يسيطر عل سلوك الإنسان ، هو الذي يمنح وسائل الإعلام هذه المكانة و الفرصة الكبيرة في التأثير على المتلقي . فوسائل الإعلام تتمتع بقدرة متفوقة على التعامل مع عواطف الإنسان من خلال إستخدام أساليب عرض مختلفة . و مثال على هذا : أن وسائل الإعلام تستطيع أن تجعلنا نتعاطف مع الضحية ضد المجرم من خلال ما تعرضه و تبثه من مسلسلات و أفلام ، و قد يؤدي بنا الأمر أحيانا إلى أن نبكي معها حينما تعرض لمشاهد المعاناة و الألـم .
و بلا شك أن عملية الاستثارة العاطفية من خلال وسائل الإعلام يمكن أن تكون سيئة، بل وخطيرة حينما تتم من خلال إستخدام معلومات كاذبة و مغلوطة ...
 النوع السادس : الضبط الإجتماعي +
يتجلى دور وسائل الإعلام في عملية الضبط الجماعي من خلال قيامها بتوحيد الناس على ثقافة واحدة يصبح الخروج عنها أمراً صعباً ولا وجود له من المعنى، حيث تصبح مع مرور الوقت عرفاً و تصبح جزءاً من ثقافة المجتمع ، حيث أصبحت وسائل الإعلام هي التي تحدد للناس ما يصلح وما لا يصلح من خلال الإعلان عن آراء معينة ، و التكتيم على أخرى ، فيخلق ذلك عند الناس ما يشبه العرف الذي يُقبل ويتّبع ويُحذر من مخالفته .
 النوع السابع : صياغة الواقع +
تؤثر وسائل الإعلام من هذا الباب عبر قيامها بعرض جزء صغير من حقيقة الواقع ، ليبقى في أذهان الجمهور على أنه هو الواقع الحقيقي الكامل !! ، وبذلك تعمل على صياغة الواقع حسب الرؤية التي تريدها ، وتعمل أيضاً على صياغة نمط حياة من صنعها لتقدمه للناس على أنه هو الواقع المثالي ، و توحي للجمهور بتقليده عبر نشر صورته الإيجابية الجميلة فقط !! فتختزل كل تفاصيل الحقيقة في هذا الجزء الصغير الذي تم عرضه فقط .
 النوع الثامـن : تكريس الأمـر الواقع +
و هي عكس صياغة الواقع فوسائل الإعلام قد تعمل على تزكية ما هو قائم و تكريس ما هو موجود ، فتجعل الجمهور يقبله دون نقاش ، فإقرار الأمر الواقع و تبريره و تقديم المسوّغ له من قبل وسائل الإعلام يعمل على صنع رأي عام شبه موحّد ، فلا يمكن لأي شخص أن يثير تساؤلاً حول صحة ما يجري .
خلاصـة : قد تعمل وسائل الإعلام في بعض الحالات على تعميق ميل فئات من الأسر و الجماعات الى تاثير سلبي ، وذلك تحت تأثير الظروف التي يعيشونها و التي تجعلهم مهيئين للتأثر السلبي بما تبثه وسائل الإعـلام .
المبحث الرابع : التصدي من التأثيرات السلبية نحو التأثيرات الإيجابية التي يحدثها الإعلام كوسيلة من وسائل الإتصال الجماهيري :
مقدمـة :
لعل من بين الموضوعات التي أخدت إهتماما متزايدا في أوساط عديدة ، الآثار السلبية التي يمكن أن تتركها وسائل الإعلام على السلوك الإنساني . فكيف السبيل إذن لإستثمار هذا التأثير السلبي إيجابا ؟ و ماهي الحلول الموائمة لتصدي و مواجهة الإرهاب الإعلامي ؟ .
أولا : كيفية إستثمار المضمون التأثيري للإعلام إيجابا :
أخدت وسائل الإعلام و الإتصال الجماهيرية تلعب دورا جوهريا في المجتمعات الحديثة ، وتتجلى هذه الوسائل في وسائط التواصل المختلفة مثل : المجلات ، و الكتب ، و الصحف ، و التلفاز ، و السينما ، و الأقراص المدمجة و غيرها ... التي تنقل المعلومات و المواقف و الآراء للجمهور ، إلا أن عبر هذه الوسائل و الوسائط يترك الإعلام آثارا عميقة في حياة الناس ، إذ نجده لا يقوم بتوصيل رسالة تزودنا بالتثقيف و التعليم ، بل معلومات تستهدفنا و تؤثر على قيمنا . و السؤال الذي يجب أن نطرح في هذا الصدد هو : كيف سنتعامل مع المضمون الإعلامي و نجعله يؤثر على أسرنا إيجابا ؟
و ذلك من خلال إنتقاء المسؤولون على الأسرة لقنوات معدودة تهم الثقافة و التربية ، و تبث مناقشة مواضيع علمية تهم الحياة اليومية و خالية من كل توجهات أيديولوجيا ، و من كل التسممات التي تتجلى في عرض أفلام و مسلسلات تعرض واقعا غير واقعنا ، أي قنوات تساهم في إفهام الناس لا في إعماء أبصارهم بالتوهمات الخالية المعنى . مثلما نشاهده في قنواتنا ، أفلام تركية و مكسيكية مترجمة باللغة الدارجة . فأي إفادة سننتظرها من هذه الأفلام !!!؟؟؟. وهل تلك المشاهد تعرض فعلا واقعا شبيها بواقعنا ؟؟ طبعا لا . فلماذا إذن ، نترك أبناءنا يتهافتون على مشاهدتها !!؟ .
ثانيا : الحلول المناسبة لمواجهة هذا السيل الجارف ( الإعلامي ) :
إن الأثر السئ و المدمر لمضامين وسائل الإعلام واضح وظاهر ، و لا يخفى على أي منا كان ، فما نفقده هنا و نغفله هو حصرة في إعادة قراءة و مراجعة مهمة ووظائف الإتصال الجماهيري . أليست هي بالأساس و بالأحرى التثقيف ، و التربية ، و التعليم ، و الترفيه ، و إفهام أفراد المجتمع لمهامهم و إحتياجاتهم ؟ وهل تقوم وسائل الإعلام فعلا بهذه الوظائف و المهام ، أم أنها على عكس ذلك ، تقوم بخيانتنا في تفسيخ أفكار أبنائنا عندما نكون في العمل و مشغولين بأمور أخرى ؟
فعلينا لمواجهة هذا السيل الجارف ، و التصدي لهذا التيار الإعلامي السئ على أسرنا و مجتمعاتنا أن نتمسك بعدة توجهات و نصائح من بينها و بتواضع :
النهوض بإعلام راق يعرض و يبث مواضيع و قضايا سليمة ، و مضامين رصينة ، و لغة صادقة و مبدعة ، تتعامل مع المتلقي على أساس إفهامه لا على أساس إستهدافه بالأديولوجيا ...
فضح القنوات و الإداعات الإعلامية التي تبث و تعرض ما يتنافى مع القيم الأخلاقية أمام الناس لعلهم يتوقفوا على الإنبهار .
أن تعود التربية و التنشئة من توجيهات و حماية و ريادة و إرشادات إلى مكانها الصحيح في الأسرة و المدرسة و المسيد . لأنهم المؤسات التنشؤية الصحيحة في صنع أجيال رصينة و محافظة .
أن يكون الأب ( حارس البوابة ) أي المسؤول و القائد داخل أسرته ، و إعطائه الإحترام و الهيبة و المركز ، ليكون أهلا لهذه المهمة .
أن يعتني المسؤولون و المعنيون بهذا المجال الإعلامي ، و أن يحرصوا هذه الأمة من كل دخيل وهجين يهدد ثقافتها و يسمم أفكارها و معتقداتها ، و يهدد أخلاقها و مبادئها و قيمها .
الرجوع إلى الأصول الأولى و القادة الفعليين الذين أمرنا بنهج طرقهم وإتباع سبلهم و هم الأنبياء و الصحابة و العلماء ، وقراءة أحوالهم المعهودة إليهم ...
ألا نتق في الإعلام ، ونترك أبناءنا له دون توجيههم و مراقبة ما يقرؤون وما يشاهدون .
خلاصـة :
نخلص من هذا المبحث ، أن وسائل الإعلام قد تعمل على تعميق التأثير السلبي على حياة الأفراد و تجعلهم عرضة لتأثيرها ، مالم تكن هناك مراقبة من طرف المسؤولين ( الآباء على أبنائهم ) وتصنيفهم لما يقرء وما لا يقرأ ، و ما يشاهد و ما لا يجب أن يشاهد . لكي تكون حصيلة المضمون التأثيري إيجابا على سلوك أبنائهم ...
خلاصـة عامـة :
و في الختام يمكننا القول بأن هناك فعلا علاقة واضحة بين مفهومي " التأثير الإجتماعي " و " وسائل الإتصال الجماهيري " و قد تبين لنا ذلك من خلال عرضنا المتواضع و المراجع التي إلتقينا بها حيث كلها تؤكد بأن الإتصال الجماهيري له علاقة فعلية بالتأثير الإجتماعي . و ذلك من خلال غزوه و تأثيره الصادم ، بل و إرهابه على تغيير مواقف و إتجاهات الأفراد .
كما نخلص من هذا العرض إلى أننا أمام علاقة معقدة تتشابك فيها عوامل نفسية و إجتماعية و أيديولوجيا ...وأن وقاية الأفراد و الجماعات من التأثيرات السلبية التي يحدثها الإعلام يعتبر مسؤولية الجميع : حكومات ، و الهيئات الرسمية و غير الرسمية ، و المربيين ، و علماء الإجتماع ، و علماء النفس ، وحارس البوابة .
و يمكننا القول أخيرا أن موضوع التأثير الإجتماعي في علاقته بالإتصال الجماهيري من بين المواضيع الغنية و الدسمة و الفضفاضة في علم الإجتماع و علم النفس الإجتماعي على حد سواء ، و ذلك واضح من خلال الكتابات الكثيرة حولها ...

لا ئحة المراجع و المصادر :
 – د. حامد عبد السلام زهران ، علم النفس الإجتماعي، الطبعة الرابعة ، 1977 ، عالم الكتب ، القاهرة.

 – عذراء جمعة ، جريدة الصباح ، إسم الصفحة : أسرة و مجتمع ، إسم العنوان : التفاعل و التكامل الإجتماعي . التاريخ : الأربعاء 21 فبراير .

 - الدكتورة سامية محمد جابر ، علم الإجتماع العام ، الطبعة الأولى 2003 ، دار النهضة العربية ، جامعة بيروت العربية .

 - الدكتور محمد عباس نور الدين ، قضايا الشباب في المجتمع المعاصر ، الطبعة الأولى 2000 ، مطبعة فضالة ، المحمدية .

 – مصطفى حجازي ، التنشئة المستقبلية للطفولة العربية من أجل إشباع شراكة عالمية . ندوة المشروع الحضاري العربي ( المغرب4-7 نوفمبر1993) .

 - أنطوني غيدنز ، علم الإجتماع ، ترجمة : الدكتور فايز الصُيَّاغ ، الطبعة الرابعة ، مؤسسة ترجمان ، المنظمة العربية للترجمة .

- عبد العزيز حمد عبد الله الحسن ، مجلة عالم الإقتصاد ، رقم العدد : 168، تاريخ العدد :1/1/2006 ، إسم العنوان : وسائل الإعلام والإعلان ..وصف نظري للعلاقة والتأثير .

- الإتصال الجماهيري و المجتمع المعاصر ، تأليف : ويليام ريفرز و تيودور باترسون و جاي جينسون ، ترجمة الدكتور أحمد طلعت البشيبشي ، الطبعة الأولى ، 2005 ،دار المعرفة الجامعية .
و الله الموفق ...
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف