الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

عبدالمطلب وعمرو بن كلثوم ونصر الله وأشياء أخرى بقلم:عادل الأنصاري

تاريخ النشر : 2009-11-15
عبدالمطلب وعمرو بن كلثوم ونصر الله ... وأشياء أخرى
________________________________________
سياسي وزعيم عربي جاهلي موغل في القدم , أتصوره كالتالي : شيخ عربي وقور بهيبته وملابسه البسيطة ونظرته الواثقة يقف أمام زعيم أجنبي قوي متغطرس قرر أن يحتل بلاده ويهدم أهم مقدساته , ربما كان أول البراغماتين العرب ولكن وفي نفس الوقت لا يخفى على ذي الفهم ما يتوارى بين كلماته ونظراته الواثقة من إيمان لا حدود له , إيمان امتزج بالثقة اللامتناهية بالخالق سبحانه , عبدالمطلب يقف أمام غرور وجبروت أبرهة وقد جاء بسلاح الدمار الشامل لذاك الزمن (الفيل) الذي لم تعهده العرب , ينظر أبرهة لذلك الشيخ ويحاوره بما يوحي بصدمته من قدرة هذا الشيخ على زعامة أهل مكة وإدارة مقدسات العرب وقد رآه يأتي طالبا إبلا وينسى أكبر مقدسات بني قومه التي أمن عليها إذا هذا الشيخ في نظر هذا الجبار ليس إلا ( جبان وأناني ومحب للدنيا ) .
وآه لو أدرك هذا الأبرهة ما وراء تلك الكلمات الخالدة ( أنا رب الإبل وللبيت رب يحميه ) من رؤية مليئة بالثقة والتسليم بأن لله قوانين في الكون لا يمكن تجاوزها .
وزعيم آخر هو عمرو بن كلثوم يفترش وقومه الرمال ويلتحف السماء ويتنقلون حيث الماء والعشب , لا يفتقرون للشجاعة أو النخوة أو عزة النفس والأنفة , ولكنه يرى الدنيا من خلال كلمات ينظمها ويطلقها لمسامع الفراغ ليتردد شعرا وكلمات لا تتجاوز قوة البيان وجزالة المعنى :
وَقَدْ عَلِمَ الْقَبَائِلُ مِنْ مَعَدِّ = إِذَا قُبَبٌ بِأَبْطَحِهَا بُنِينا
بِأَنّا الُمطْعِمُونَ إِذَا قَدَرْنَا = وَأَنَّا الُمهْلِكُونَ إِذَا ابْتُلِينا
وَأَنَّا الَمانِعُونَ لِما أَرَدْنا = وَأَنَّا الْنَّازِلُونَ بِحَيْثُ شِينا
وَنَشْرَبُ إِنْ وَرَدْنَا لَماءَ صَفْواً = وَيَشْرَبُ غَيْرُنَا كَدِراً وَطِينا
مَلاَنا الْبَرَّ حَتَّى ضَاقَ عَنَّا = وَمَاءَ الْبَحْرِ نَمَلؤُهُ سَفِينا
إِذا بَلَغَ الْفِطَامَ لَنا صَبِيٌّ = تَخِرُّ لَهُ الْجَبابِرُ ساجِدِينا

تلك الكلمات التي مازال البعض يعاني منها ومازالت تتردد كإرث أو داء وراثي ينساق خلفه من لا يريدون رؤية الواقع بعين مبصرة ليعرفوا موقع أقدامهم ويبدءوا تصحيح مساراتهم وتهجي خطواتهم برؤية واقعية .
ربما لم يعد لإيمان عبدالمطلب وجود في سياستنا المعاصرة واكتفينا بالرضوخ لواقعنا حتى لو طأطأنا الرقاب ولم يعد حبل الله موصولا بنا ولنا , ولكن الكارثة الكبرى أن البعض منا مازال يعتقد أن جبابرة الدنيا تخر لرضائعنا سجودا بمجرد فطامهم .
رؤيتان لا أجد تفسيرا لهما , عندما اجتاحت أمريكا أفغانستان للقضاء على طالبان شاهدت لقاء مع مسئول سابق في الاستخبارات الباكستانية وقد تحدث بثقة وكلمات هادئة أقشعر لها بدني وتذكرت تلقائيا كلمات عبدالمطلب التاريخية عندما قال المسئول الباكستاني لمحدثه ردا على سؤاله : هل يستطيع طالبان أن يقاوموا أقوى آلة عسكرية في عصرنا الحالي ؟ فأجابه بآيات سورة الفيل وكأنه يرى نصر الله وقد تحقق لهم بصوت مليء بالثقة والطمأنينة .
وكذلك عندما تحدث نصر الله عن رؤيته للمواجهة مع الصهاينة كان يستخدم نفس المنهجية من الثقة بنصر الله برغم انعدام موازين القوى بين الطرفين كما بين أمريكا وطالبان .
ورغم ذلك خسر الطرفان (ولو من الناحية العسكرية إذا كان يحلو للبعض ذلك ) , فهل أصبح الإيمان لا يكفي لجلب النصرة أم أن إيماننا لم يعد نقيا ؟
هناك الكثير من الأحداث الإسلامية التي أثبتت فيها قوة الإيمان القدرة على جلب النصر رغم اختلال موازين القوى بين المؤمنين وأعدائهم . فأين الحلقة الضائعة بين الإيمانين ؟
أذكر ذات زمن أني بكيت مع فيروز وهي تغني وتشدو بهذه الكلمات :
الغضب الساطع آتٍ و أنا كلي ايمان
الغضب الساطع آتٍ سأمر على الأحزان
من كل طريق آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و كوجه الله الغامر آتٍ آتٍ آتٍ
لن يقفل باب مدينتنا فأنا ذاهبة لأصلي
سأدق على الأبواب و سأفتحها الأبواب
و ستغسل يا نهر الأردن وجهي بمياه قدسية
و ستمحو يا نهر الأردن أثار القدم الهمجية
الغضب الساطع آتٍ بجياد الرهبة آتٍ
و سيهزم وجه القوة
البيت لنا و القدس لنا
و بأيدينا سنعيد بهاء القدس
بايدينا للقدس سلام آتٍ

فكبرت فيروز وكبرنا وانتظرنا الغضب الساطع فما جاء , ومازالت أثار القدم الهمجية تدق أعناقنا كل حين ,وأصبح الصهاينة يشربون من ماء نهر الأردن , وأصبحت القدس مرثية كأندلسنا الضائع لا نجدها إلا في مسميات الشوارع ولوحات الفنانين وقصائد الشعراء .
ومازلنا نستمع لبعض أبناء العروبة يرددون عبر قنوات عمرو بن كلثوم
( نهدي هذا النصر لكل الشهداء ) .
هل من يدلني على ذلك النصر حتى أجثو أمام قدميه باكيا وطالبا العفو من فقدان الثقة وضياع الإيمان , في أقل من شهر قتل وجرح الآلاف ودمرت قرى ومدن ويتم أطفال وثكلت نساء ومليارات الدولارات داستها جنازير الصهاينة وأخيرا سيسلم الجنديين وينزع سلاح حزب الله وسيطوى داخل منظومة السلطة الرسمية ولن يبقى منه إلا معلقة جاهلية تتردد كما تتردد معلقة عمرو بن كلثوم .
أي جيل هذا وأي موروث ينسجه للغد ؟
ما أعظم الخراب ...
وما أعظم الأمل في الغد ....


(تذكرت ذلك بعد أن شاهدت في اليوتيب خطبة لنصر الله وسر نصره على إسرائيل)

ــــــــــــــــــــــــــــ

مدونتي

http://adelasare.blogspot.com/
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف