الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

مالم يقله أنيس منصور عن (مدام بوفاري) بقلم:عادل الأنصاري

تاريخ النشر : 2009-07-20
في كتابه الأخير ( يسقط الحائط الرابع) تحدث أنيس منصور بأسلوبه الشيق والثري عن كثير من الصور الأدبية بطرق مختلفة , ضمنها أراءه الخاصة تارة وأراء أدباء عن طريق الحوار , وهو كأغلب كتب أنيس منصور , يتميز بطريقته السهلة الثرية الشيقة (هذا من وجهة نظري الخاصة ) .
وقد توقفت عند تناوله لقصة ( مدام بوفاري , للكاتب جوستاف فلوبير , والذي يعتبره الكثير من النقاد الأب الشرعي للواقعية في الأدب الفرنسي ) , والغريب في هذه القصة أنها ورغم ابتعادها عن الإغراق في الرومنسية والخيال وجاءت أحداثها واقعية وقريبة من حياة الناس إلا أن السلطات الفرنسية صادرتها ومنعت نشرها بحكم كون بطلتها فاجرة ومنحلة , وأخيرا أفرجت المحكمة الفرنسية عن الرواية لأسباب ذكرت في الفصل الخاص بفلوبير , وقد اتخذ مذهب الواقعية إسما اخر مشتق من هذه الرواية وهو ( البوفارية) وهذا شرف لا ينال بسهولة إلا لو حرك هذا العمل جيلا بأكمله , وهنا نستغرب لماذا حظيت هذه الرواية بكل هذا المجد رغم أن الواقعية كانت موجودة قبل وبعد مدام بوفاري ؟
ومن المهم أن نقول مبدئيا أن هناك صفات مشتركة بين شخصية بطلت الرواية وبين شخصية المؤلف ( فلا عجب أن يقول فلوبير أنه هو بطل هذه الرواية , ولا فرق بين كون البطلة أنثى والمؤلف رجل إذا كانت الصفات مشتركة , لعل أهمها الإغراق في الأحلام والاصطدام بالواقع ) .
القصة مؤثرة وشيقة وتدور أحداثها بسلاسة وبساطة دون تعقيدات لغوية وصور بلاغية معقدة , كيف لا وهي رمز للواقعية في العصر الحديث .
وقد يستغرب البعض مثلي ربما أن يشار إليها بهذا الزخم رغم بساطتها ووضوح أحداثها وربما محاكاتها كثيرا في واقع المجتمعات , وأكاد أجزم أنها صورة مكررة في كل مجتمع وعبر كل زمان (طبعا أقصد حياة البطلة ) , وكما قال النقاد عنها أن مدام بوفاري يمكن أن نجدها في الترام والأتوبيس والسينما وعلى الشاشة وبين المتفرجين .
ومن الكتاب الذين بهروا بهذه القصة ( أندريه موروا – مارسيل بروست – أندريه مالرو – ألن تيت – أرنست همنجواي – سومرست موم الذي قال أن فلوبير اثر في كل الواقعيين بعده مثل توماس مان و أرنولد بنيت و تيودور دريزر ) ,
وربما مما يلفت النظر هو مقولة الكثير من النقاد أن شخصية مدام بوفاري كأنها سيدة موجودة فعلا , وربما هذا لسان حال كل أولئك الكتاب العظماء الذين أحتفوا بها برغم بساطتها وواقعيتا , وربما هنا يكمن سر هذا الإعجاب .
( شخصية مدام بوفاري من وجهة نظري المتواضعة ) , وكما يتضح من قراءتي هي شخصية المرأة الحالمة التي لا يرضيها الواقع وهي أنثى تكره أن يكون هناك حدود لأحلامها , حتى إذا ما ظنت أن ثمة رجل يحقق هذا الحلم ثم تصطدم بواقعه الذي لا يرضي غرور أحلامها تبحث عن آخر , فهي في حالة هروب دائم خلف هذا الحبيب الذ لا تجده حتى الموت , هذه الصور لأنثى حالمة عصية على المنال لا يمكن ان يرضيها رجل , قادرة على تطويع خيال كل الرجال وكل منهم يدعي أن جاذبيته ورجوليته قادرة على كبح جماح احلامها وأن يطأ غرورها وأحلامها بقدميه , ربما هنا يكمن السر في إعجاب النقاد والكتاب العظماء بالرواية , لأنها تمثل لهم ولنا الأنثى التي لا تطال , الأنثى الحلم , لقد عبث فلوبير بخفايا النفس البشرية وجسد صورة مدام بوفاري كحلم ظل عصيا علينا , خيل إلي وأنا أقرأ ذلك الفصل أن كل تلك الكلمات العظيمة التي جاءت بأقلام عباقرة الفكر كانت مستلهمة من فكرة المرأة الحلم ( وهذا الذي لم يقله أنيس منصور , رغم أنني أعتقدت جازما أنه سيشير إلى ذلك في نهاية الفصل أو بين ثنايا كتاباته ) .
ومن الملاحظ أن (سارتر) ربما كان الوحيد الذي جرح فلوبير ووصفه بعدم المسئولية , ولانعلم هل جاء نقد سارتر محايدا منهجيا أم لهوى شخصي بينه وبين نموذج مدام بوفاري , حتى انه خالف عباقرة النقد والكتابة برأيه في فلوبير ؟؟
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف