الأخبار
إعلام إسرائيلي: إسرائيل تستعد لاجتياح رفح "قريباً جداً" وبتنسيق مع واشنطنأبو عبيدة: الاحتلال عالق في غزة ويحاول إيهام العالم بأنه قضى على فصائل المقاومةبعد جنازة السعدني.. نائب مصري يتقدم بتعديل تشريعي لتنظيم تصوير الجنازاتبايدن يعلن استثمار سبعة مليارات دولار في الطاقة الشمسيةوفاة العلامة اليمني الشيخ عبد المجيد الزنداني في تركيامنح الخليجيين تأشيرات شنغن لـ 5 أعوام عند التقديم للمرة الأولىتقرير: إسرائيل تفشل عسكرياً بغزة وتتجه نحو طريق مسدودالخارجية الأمريكية: لا سبيل للقيام بعملية برفح لا تضر بالمدنييننيويورك تايمز: إسرائيل أخفقت وكتائب حماس تحت الأرض وفوقهاحماس تدين تصريحات بلينكن وترفض تحميلها مسؤولية تعطيل الاتفاقمصر تطالب بتحقيق دولي بالمجازر والمقابر الجماعية في قطاع غزةالمراجعة المستقلة للأونروا تخلص إلى أن الوكالة تتبع نهجا حياديا قويامسؤول أممي يدعو للتحقيق باكتشاف مقبرة جماعية في مجمع ناصر الطبي بخانيونسإطلاق مجموعة تنسيق قطاع الإعلام الفلسطينياتفاق على تشكيل هيئة تأسيسية لجمعية الناشرين الفلسطينيين
2024/4/24
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

إضاءة نقدية لنص حداثي مفخخل بقلم: ديما خليل

تاريخ النشر : 2008-05-28
النص الشعري/القصصي الذي يقدمه كاتب وناقد مثل تيسير نظمي لابد وأن يحمل في طياته شيئا من الخبرة والمهارات العالية التي تعكسها تجربته وثقافته على مدى نحو أربعين عاما . وبهذه العجالة نتوقف عند تخوم النص الملتبس بين الشعر والقصة الذي يحمل عنوان "الغائــــــــيــــل" ولنبدأ من كلمة العنوان نفسها ممتزجة التركيب على نحو إيحائي تتعدد مستوياته. وببتر أل التعريف العربية يتبقى من الكلمة "غائيل" الذي يحمل من الطزاجة اللغوية إسما ميثولوجيا لا هو "قابيل" ولا "هابيل" وإنما اسما جديدا يوحي أول ما يوحي به بغائلات الدهر مازجا إيل الذي هو إله الكنعانيين (أول من قطنوا فلسطين) بحرف الغاء محملا الكلمة شحنات دلالية تعتمد علوم الصوتيات في مخزونها حالما ترتطم بأذن السامع الذي قد تستفز مشاعره الفلسطينية إن هو سمعها " ألغى إئيل" فمن هو الذي يجرؤ على إلغاء ليس شعبا وحسب بل إله هذا الشعب قبل ديانات ثلاث مثل اليهودية والمسيحية والإسلام ؟ من الضروري أن نعرف أن نظمي ملم بعدة لغات ومنها العبرية ولذلك فقصديته ليست عفوية على الاطلاق. فلو استخدم أل التعريف العبرية " ها " بدلا من "الغاء" لأصبحت الكلمة " هائيل" ومن البدء يتضح خياره اللغوي والصوتي العربي الفلسطيني بحسم وجزالة وابتكار. فالكلمة الأولى من نصه ملغمة بالغرابة المفضية لدى ارتطامها بجملة المفاهيم والثقافة والموروث لدى السامع إلى تعدد مستويات الايحاء والتأويل. ويجب أن نلاحظ بتره للكلمة الاشكالية " إسرا/ئيل" مستردا منها أول ما يسترد الكنعانيين مختزلين بإلههم " إئيل" ملغيا المقطع التوراتي الأول من الكلمة الذي يعني "عبدة أو عباد أو شعب " ومحررا "إيل" منهم ومن الكلمة نفسها ، أي كلمة " إسرائيل" دون أن يورد كلمة "فلسطين" أو " إسرائيل" ولو مرة في النص المحكم البناء كقصصه.يشار هنا إلى أن كثير من الكتاب العرب يشهدون لنظمي بحرفيته العالية في كتابة القصة القصيرة منذ عام 1972 على الأقل. وهو عموما قليل الانتاج لكنه إذا كتب كتب تاركا مهمة النقد لغيره.
يقترب الداخل إلى نصه بفضول من يريد أن يكتشف ما أحدثته الكلمة الأولى في عقله ووجدانه. فهل هو أمام نوع جديد من الغيلان أو الغوليات؟ أم أمام أخ ثالث لهابيل وقابيل لا هو بالقاتل ولا المقتول ؟ لا هو بالجلاد ولا الضحية؟
وفورا تخطفه عبارة الإهداء " إلى روح لؤي كيالي" كأن تيسير نظمي يريد لقارئه التحلل من الميثولوجيا ليهبط إلى أرض الواقع القريب. يشار هنا إلى أن لؤي كيالي فنان تشكيلي عربي أقدم على حرق نفسه وحرق لوحاته ومنزله في سوريا قبل نحو أربعين عاما ومن ضمن لوحاته الناجية واحدة بعنوان " الأختان".
فإذا كان العنوان يحررك من الواقع ومن الاحتلال فالاهداء سرعان ما يحررك من الميثولوجيا والتاريخ ليعيدك إلى لوحة رسمها فنان أحرق نفسه. وهذا ما يفسر أن النص بدأ بثلاث نقاط وحرف العطف كالتالي: " ... ولمن هذا الكرسي المهجور في غربة المكان؟" ليحيلك ،محترما عقلك ووجدانك وثقافتك، إلى ما قبل النص فالسؤال أغفل المتسائل وعطف التساؤل على تساؤلات أو أسئلة سابقة عليه كأنما يوقعك من أول السطر في عالمه الخاص الذي سيصبح عالمك أيضا. ويضعك أمام امتحان كي يسترعي قدرتك على المواصلة والتحدي والبحث وبالتالي فهو قام بتوريطك معه كي تسأل نفسك من هو / هي الغائب /الغائبة عن الكرسي والمكان؟ وليس بالضرورة للمكان أن يكون فلسطين أو الأردن ما دام رب البيت غير موجود سواء كان الإله إيل مع مايرمز إليه غيابه من غياب وغربة الفلسطينيين عن مكانهم الطبيعي أو الوطن أو كان رجل البيت " من كان الطفل غسان" وفي إشارة أخرى " تأخرت كثيرا يا غسان " أو الأم التي " سفكت" زوجها وأب الأختين كما يتضح من النص القصصي بامتياز والشعري كذلك المعتمد على الايحاء والإحالة دون التقرير أو الاسهاب غير المكثف. فالصغرى هي التي تنبري للمواجهة مع السائل وتسخر من أسئلته والكبرى بصمتها وإيحاءات اسمها توحي بهول المصاب في بيت كل ما به أختان تنتظران القادمين أو عودة الأم من المعارك التي تخوضها بين الزرقاء وعمان!! وكذلك عودة الشقيق أو الأب غسان !! وحشة وغربة وانتظار هذه هي سمات رئيسة حاسمة في حياة الانسان الفلسطيني. ومما يعمق هذه الوحشة والصمت هو الحريق والطريق الطويل خارج المكان ،، كأنما الجميع : من بالداخل ومن بالخارج ينتظرون عودة الأب الأكبر من الأسر أو الموت أو المعارك والحروب سواء كان العائد بشرا أم إلها سيجلس على كرسيه في النهاية " الكرسي المهجور" . ولرسم ذلك كله اختار الكاتب إسم إلزا ليرمي إلى "مجنون إلزا " رواية وملحمة الشاعر الفرنسي المعروف لويس أراغون وفترة الصمت التي أعقبت موت إلزا تريولييه رفيقته وزوجته وعشيقته ومعبودته. ولم يكتف تيسير نظمي بما للاسم من دلالات بل شبهها ببنيلوب التي انتظرت عودة زوجها من حرب طروادة عشرين عاما ،، وواضح أن تيسير نظمي يرسم هنا معالم إلزا الفلسطينية الخالصة من خلال وجود أختين كنعانيتين في بيت كل من فيه يحارب من أجل عودة إيل أبا محاربا أم إلها إلى موطنه ومكانه الصحيح.
ما ورد أعلاه من مطبخ النص وما يحيلك إليه النص بكثافة إشاراته، لكنه لم يرد في النص على النحو الذي تستدعيه قراءة النص، وهذا بحد ذاته أحد استفادات نظمي من دراسته للأدب الانجليزي. ألم تحفل رائعة ت.س.إليوت "الأرض الخراب" بإشارات تاريخية وأدبية شتى؟ وبالمثل في هذا النص رغم بساطته ووضوح الحبكة السردية فيه. وكي يبقي الإيحاء أقوى من السرد ويحفظ للنثر شعريته تمتنع الأختان من البداية عن البوح للسائل ليوحي الامتناع عن شخص السائل الذي يشبه البوليس السري إن لم يكن هو ذاته لولا قول الصغرى بسخرية "الخ يبدو مناضل"

... ولمن هذا الكرسي المهجور في غربة المكان ؟
لم تجبه الابنتان ولا الابن الغائب
فتاه هو الآخر في لجة الزمان
وانكفأ على سؤاله الخائب

من الطبيعي أن لا يجيب "الابن الغائب" عن السؤال لكن عطف الغائب على الحاضر شكل وحدة التماسك الذي يجمع الأحياء بالشهداء بالغائبين في مسيرة الشعب الفلسطيني فتاه السائل الذي دخل البيت الفلسطيني "في لجة الزمان" كما هم الفلسطينيون عادة و "انكفأ على سؤاله الخائب". لكن الصغرى عندما تتحدث تستضيفه ولو بالكلام لفلسطنته في المكان:

قالت الصغرى كي تهش الغبار:
لم كل وقتنا في الطريق
أهذا حقا بيت مستأجر لنا
أم لسؤال يشعلنا حطبا في الحريق؟
وحدقت في ساعتها : تأخرت كثيرا يا غسان.

صحيح أن الأختان الوحيدتان في المنزل المستأجر لم يستطع الداخل لاستجوابهما أن يكشف عن خصوصية وسرية وحرمة صاحب الكرسي المهجور. لكنه بحديث الصغرى يستضاف بأدب يدعوه للتأدب وعدم طرح الأسئلة الساذجة. فمن "تقاتل" في الخارج سواء بالعمل لإعالة الأسرة أو بالقتال الحقيقي والنضالي لا وقت لديها للجلوس على الكرسي ولذلك فهو "مهجور" في "المأجور" وفي "العنوان" فإعادة الصياغة على هذا النحو منحت النص فلسطينيته دون أية مباشرة.

فتضاءل من سؤاله: "لمن هذا المهجور
في المأجور
وفي العنوان"

إن وصف طارح السؤال هنا بمن يتضاءل أمام نفسه والسؤال ينم عما هو أكبر من أم "سارحة" وابن "مصلوب" ويذكر ليس بالمجتمعات المشاعية الأولى التي كانت فيها المرأة هي التي تذهب للعمل بل وبتلك الأزمنة ما قبل الأديان عندما كانت أقرب للوثنية وتصّعد مستوى دلالة الغائب عن كرسيه إلى مصاف الآلهة مع ما يمكن الاستدلال منه على "الصلب" الذي يتعرض له الفلسطيني وتعدديته: فهو في جانب منه كنعاني وفي آخر مسيحي من بيت لحم أو الناصرة، وفي جانب آخر ربما شيوعي إذا ما تأملنا قصة انتساب لويس أراغون للحزب الشيوعي الفرنسي بتأثير من إلزا تريولييه الشيوعية الفرنسية من أصل روسي.
فالنص منحاز سلفا للتقدمي والثوري واليساري منذ البدء ومنحاز للشعر على النثر ويأخذ من القصة لحظتها بدقة متناهية ووصف موحي وكثافة شعرية.
كما أن القصة لا تنقطع عن كثافة ماضيها هنا فما تستدعيه خيارات الأسماء المحملة بشتى الدلالات مثل ورود تشبيه الكبرى ببنيلوب يستحضر التاريخ بدل القطيعة معه، ولذلك وجدت أن أفضل تشبيه لهذا النص الحداثي هو أن أصفه بــ" المفخخ" الذي يتفجر حال الاقتراب منه والولوج فيه بما يحمله من دلالت وإيحاءات وإشارات ما من شك تحتاج لوصولها لثقافة كونية معاصرة ، لا تنسى العراق وهي تتحدث عن فلسطين ولاتنسى الأردن حيث :

كما يبدو من سؤاله العابر .. الأخ يبدو مناضل
فظل سؤاله طريحا كالقتيل
خال من المعنى وشاهدا كالنخيل.
فاستدارت الكبرى لنافذة الشارع الطويل
مثل بنيلوب تصارع الوقت والزمن العليل
" نحن الأختان بانتظار كل شيء والعتاب
مات من زمن والأحباب
لم نلمح قاماتهم قادمين
نغلق علينا الباب
من يأس ونحرس المكان
نحن الأختان أمنا سفكت أبانا
فطوّحه الزمان "
ثم استدارت للسائل والسؤال
لم تصفع سحنته ببصقة
أو كلمة ولا هي في الزرقاء يمامة
ولا هي في بيت للغزلان

فالصمت الذي لاذت به إلزا الفلسطينية هو صمت أراغون بعد فقدها لكن المونولوج الداخلي بين الأقواس يوضح ما يعتمل بوجدانها وفكرها ويرسم ملامح شخصيتها فلا هي باليمامة ولا بالغزالة لكن الكاتب لم يقل لنا أنها نمرة أو شرسة وفقط نفى عنها أن تكون حمامة أو غزالا. كما أن تطور الحدث لم يستدع "البصقة" ويشار هنا إلى أن "البصقة" رواية لكاتب مصري من حزب التجمع ما من شك أن الكاتب أيضا لا يقيم قطيعة ما معها ومع التراث الأدبي التقدمي المنحاز للقضية الفلسطينية أو المكتفي بصدقه كما هي الاشارة الجميلة والمؤثرة لحريق فنان عربي لنفسه وبيته ولوحاته.
إن تيسير نظمي الذي يأخذ على المثقفين العرب قطيعتهم مع التاريخ يؤسس لنصوص تردم هذه القطيعة وهذا ما يجعل من كتاباته مسرحا للتاريخ ومن نصوصه تأسيسا لهذه التاريخانية التي ترى الحاضر بعيون الماضي وترى الماضي بعيون الحاضر

ديما خليل- الجامعة الهاشمية- قسم اللغة الانجليزية وآدابها-

مراجع:
دنيا الوطن- صفحة الشعر – الرابط التالي:
http://pulpit.alwatanvoice.com/content-134576.html
موقع حركة إبداع على الرابط:
www.nazmi.org
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف