أرض تحترق و فرقاء لا تتفق
بقلم: فادي فيصل الحسيني
قد يتبادر لذهن القارئ أننا نتحدث عن وضعنا الفلسطيني عندما نذكر أن الأرض تحترق و أن الفرقاء لا تتفق، و لكننا في واقع الحال نتحدث عن كل فرقاء أرض الشرق الأوسط و ليس عن فرقاء في بقعة بعينها، نتحدث عن عراق غزاها الغزاة من كل صوب و حدب، و وقف جيرانها مكتوفي الأيدي، بل مد بعضهم العون لؤلئك الغزاة، نتحدث عن رئيس لدولة عربية يهان و يذل نصب أعين الجميع في محاكمة تخلو من أي صفة شرعية و أبسط ما تصف فيها بالمهزلة المهينة و أخيراً إعدامه و كأن العالم أصبح بلا رقيب أو حسيب، نتحدث عن لبنان و قد شاهدها الجميع تحترق، و تدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، و تسفك دماء أطفالها، و بقيت همم العرب كما هيه، و بدت خطواتهم لإنقاذ ما تبقى من لبنان مترددة متهالكة، نتحدث عن سوريا و هي محاصرة و تبتز يوماً بعد يوم لتقدم التنازلات و الرضوخ، و نتحدث أيضاً عن الصومال العربي و قد رأينا أثيوبيا تغزوها و مازالت تصريحات العرب خجولة و بالطبع لا نجرأ أن نتحدث عن أفعال هنا. نتحدث عن شرق أوسط أضحى مسرحاً للقوى العالمية و الإقليمية تبث سموم الفتنة و الطائفية في كل قطر و بيت، و تعيدنا تارة بعد أخرى لعهد الجاهلية و الأصنام، و أيام الخوارج و المنافقين اللئام .
إلى حين بقيت سياسة الاحتواء الأمريكية ناجعة في الشرق الأوسط، و استطاعت من خلالها تحييد قوى عديدة محققة أهدافها الإستراتيجية، و لكن مع ظهور الخطر الفارسي، و صعود محور قوي له في المنطقة، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تغير من إستراتيجيتها لتبني أحلافاً مناظرة لذلك المحور و لكنها سرعان ما اكتشفت ضعف أحلافها في المنطقة و بدأت من جديد في انتهاج سياسة مختلفة. زيارات كونداليزا رايس الكثيرة لمنطقة الشرق الأوسط عكست حالة الارتباك و التردد في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حيال الشرق الأوسط، بالتزامن مع تقرير هملتون-بيكر الذي بحث عن مخرج مشرف لها في أزمتها الخارجية. يبدو أن الخطة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط هو تفكيك أطراف المحور الفارسي في المنطقة طرفاً تلو الآخر لتتفرد بالمارد الإيراني حين يجد نفسه وحيداً و خاصة في ظل غياب رقيب و معايير إنسانية أو ديمقراطية في عالم جديد تلون بلون الكراهية الأمريكية. المؤشرات الواقعية على الأرض توحي بأن الولايات المتحدة قد شرعت بالفعل في خطتها الجديدة من استقطاب في جهة و تفكيك من جهة أخرى. ففي وقت قياسي و بعد أن كانت العديد من الدول في المنطقة مبدية امتعاضها تجاه سياسة حركة حماس و قاطعتها و تجنب مسئولوها مقابلة أعضاء الحكومة الفلسطينية الجديدة، بدأ موقفهم يتبدل و يتغير، و هذا ليس لأن الحصار قد بدأ ينهار أو يتصدع، بل لأن رغبة البيت الأبيض هي تفكيك محور من وجهة نظرها معاد و تقوية حلف لسياساتها موال. و في ذات الوقت، بدأت العديد من الدول العربية تحس بخطر حقيقي داهم ، يزحف من شرق الخليج العربي قادم، يصر حتى اليوم على تسميته بالخليج الفارسي، و هي إشارة عل و عسى أن يعلم من حالفها أن مصلحة إيران الذاتية أعلى شأناً و أهم مقاماً من أي تعاطف لقضية أو لشعب أو حتى لشعار و هو الأمر الذي ينطبق تماماً على رؤية الولايات المتحدة الأمريكية التي تتذرع بالقيم الإنسانية لتحقيق أهداف تخدم مصلحتها الذاتية و بالطبع ترضي من سيؤثر في صندوق الاقتراع هناك.
و في خضم كل هذه الأحداث و المؤامرات، تبقى إسرائيل مختفية في الظل، مستفيدة من حالة الارتباك و التخبط، مستمرة في تكريس أمر واقع على أرض فلسطين المحتلة في تشييد المستوطنات و بناء الجدار الفاصل، تقتل و تبطش و تعتقل، تهدم و تجرف و لا تنتظر، فالفرصة سانحة لتنفيذ مشروع حلم طال انتظاره. أما في الطرف الآخر من فلسطين، فأصحاب القضية أنفسهم مشغولين بقضاياهم الداخلية التي لا تعني الكثير في تاريخ الصراع و الأرض و مسيرة الاستقلال. بالفعل فالفرقاء هنا مشغولون بحكومة لا يهم إن تكون وحدة أو تكنوقراط، المهم أن تكون الألوان الخضراء و الصفراء حاضرة، و حتى الحضور ليس كافياً، بل يجب أن تحظى كلاً منهما بحقائب بعينها، و هي حقائب و ليست وزارات، و لكن يبدو أننا قد نسينا أن هذا الكيان لم يرق ليكون دولة بعد، و يبدو أيضاً أننا أغفلنا أنه لا صلاحيات لدينا طالما الاحتلال مازال جاثم على الأرض. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ رصاص الجهل يتطاير ليقتل أبناء الوطن الواحد، يقطع أيدي خلقت لتبني، و يبتر أذرع تدربت لتتدافع عن بلد لطالما عشق الحرية و هام بالاستقلال، و لم ترحم حتى نيران الجهل نساء فلسطين و أطفال المستقبل، بل طالتهم و لم تشفع لهم حتى براءتهم. نتألم في اليوم ألف مرة و مرة على وضع كوى قلوبنا حرقة و فتت أكبادنا ألماً، وضع أبعد قضيتنا الوطنية شيئاً فشيئاً عن مسارها الطبيعي، و شوه صورة الفلسطيني و نضاله و تلاحم أبنائه على مر السنين و عبر كل المحن و الصعاب. فلنبدأ بأنفسنا، و لنسرع للملة جراحنا قبل أن تتفاقم و يصعب علاجها، و لنروي شجرة الوحدة قبل أن تنتشر سموم الفتنة في جذورها، فلنتفق الآن و لننحي الأهداف السياسية الحزبية الضيقة جانباً و لنرفع شعار فلسطين أولاً و أخيراً قبل فوات الأوان.
[email protected]
بقلم: فادي فيصل الحسيني
قد يتبادر لذهن القارئ أننا نتحدث عن وضعنا الفلسطيني عندما نذكر أن الأرض تحترق و أن الفرقاء لا تتفق، و لكننا في واقع الحال نتحدث عن كل فرقاء أرض الشرق الأوسط و ليس عن فرقاء في بقعة بعينها، نتحدث عن عراق غزاها الغزاة من كل صوب و حدب، و وقف جيرانها مكتوفي الأيدي، بل مد بعضهم العون لؤلئك الغزاة، نتحدث عن رئيس لدولة عربية يهان و يذل نصب أعين الجميع في محاكمة تخلو من أي صفة شرعية و أبسط ما تصف فيها بالمهزلة المهينة و أخيراً إعدامه و كأن العالم أصبح بلا رقيب أو حسيب، نتحدث عن لبنان و قد شاهدها الجميع تحترق، و تدمر البيوت فوق رؤوس ساكنيها، و تسفك دماء أطفالها، و بقيت همم العرب كما هيه، و بدت خطواتهم لإنقاذ ما تبقى من لبنان مترددة متهالكة، نتحدث عن سوريا و هي محاصرة و تبتز يوماً بعد يوم لتقدم التنازلات و الرضوخ، و نتحدث أيضاً عن الصومال العربي و قد رأينا أثيوبيا تغزوها و مازالت تصريحات العرب خجولة و بالطبع لا نجرأ أن نتحدث عن أفعال هنا. نتحدث عن شرق أوسط أضحى مسرحاً للقوى العالمية و الإقليمية تبث سموم الفتنة و الطائفية في كل قطر و بيت، و تعيدنا تارة بعد أخرى لعهد الجاهلية و الأصنام، و أيام الخوارج و المنافقين اللئام .
إلى حين بقيت سياسة الاحتواء الأمريكية ناجعة في الشرق الأوسط، و استطاعت من خلالها تحييد قوى عديدة محققة أهدافها الإستراتيجية، و لكن مع ظهور الخطر الفارسي، و صعود محور قوي له في المنطقة، بدأت الولايات المتحدة الأمريكية تغير من إستراتيجيتها لتبني أحلافاً مناظرة لذلك المحور و لكنها سرعان ما اكتشفت ضعف أحلافها في المنطقة و بدأت من جديد في انتهاج سياسة مختلفة. زيارات كونداليزا رايس الكثيرة لمنطقة الشرق الأوسط عكست حالة الارتباك و التردد في سياسة الولايات المتحدة الأمريكية حيال الشرق الأوسط، بالتزامن مع تقرير هملتون-بيكر الذي بحث عن مخرج مشرف لها في أزمتها الخارجية. يبدو أن الخطة الجديدة للولايات المتحدة الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط هو تفكيك أطراف المحور الفارسي في المنطقة طرفاً تلو الآخر لتتفرد بالمارد الإيراني حين يجد نفسه وحيداً و خاصة في ظل غياب رقيب و معايير إنسانية أو ديمقراطية في عالم جديد تلون بلون الكراهية الأمريكية. المؤشرات الواقعية على الأرض توحي بأن الولايات المتحدة قد شرعت بالفعل في خطتها الجديدة من استقطاب في جهة و تفكيك من جهة أخرى. ففي وقت قياسي و بعد أن كانت العديد من الدول في المنطقة مبدية امتعاضها تجاه سياسة حركة حماس و قاطعتها و تجنب مسئولوها مقابلة أعضاء الحكومة الفلسطينية الجديدة، بدأ موقفهم يتبدل و يتغير، و هذا ليس لأن الحصار قد بدأ ينهار أو يتصدع، بل لأن رغبة البيت الأبيض هي تفكيك محور من وجهة نظرها معاد و تقوية حلف لسياساتها موال. و في ذات الوقت، بدأت العديد من الدول العربية تحس بخطر حقيقي داهم ، يزحف من شرق الخليج العربي قادم، يصر حتى اليوم على تسميته بالخليج الفارسي، و هي إشارة عل و عسى أن يعلم من حالفها أن مصلحة إيران الذاتية أعلى شأناً و أهم مقاماً من أي تعاطف لقضية أو لشعب أو حتى لشعار و هو الأمر الذي ينطبق تماماً على رؤية الولايات المتحدة الأمريكية التي تتذرع بالقيم الإنسانية لتحقيق أهداف تخدم مصلحتها الذاتية و بالطبع ترضي من سيؤثر في صندوق الاقتراع هناك.
و في خضم كل هذه الأحداث و المؤامرات، تبقى إسرائيل مختفية في الظل، مستفيدة من حالة الارتباك و التخبط، مستمرة في تكريس أمر واقع على أرض فلسطين المحتلة في تشييد المستوطنات و بناء الجدار الفاصل، تقتل و تبطش و تعتقل، تهدم و تجرف و لا تنتظر، فالفرصة سانحة لتنفيذ مشروع حلم طال انتظاره. أما في الطرف الآخر من فلسطين، فأصحاب القضية أنفسهم مشغولين بقضاياهم الداخلية التي لا تعني الكثير في تاريخ الصراع و الأرض و مسيرة الاستقلال. بالفعل فالفرقاء هنا مشغولون بحكومة لا يهم إن تكون وحدة أو تكنوقراط، المهم أن تكون الألوان الخضراء و الصفراء حاضرة، و حتى الحضور ليس كافياً، بل يجب أن تحظى كلاً منهما بحقائب بعينها، و هي حقائب و ليست وزارات، و لكن يبدو أننا قد نسينا أن هذا الكيان لم يرق ليكون دولة بعد، و يبدو أيضاً أننا أغفلنا أنه لا صلاحيات لدينا طالما الاحتلال مازال جاثم على الأرض. لم يقف الأمر عند هذا الحد، بل بدأ رصاص الجهل يتطاير ليقتل أبناء الوطن الواحد، يقطع أيدي خلقت لتبني، و يبتر أذرع تدربت لتتدافع عن بلد لطالما عشق الحرية و هام بالاستقلال، و لم ترحم حتى نيران الجهل نساء فلسطين و أطفال المستقبل، بل طالتهم و لم تشفع لهم حتى براءتهم. نتألم في اليوم ألف مرة و مرة على وضع كوى قلوبنا حرقة و فتت أكبادنا ألماً، وضع أبعد قضيتنا الوطنية شيئاً فشيئاً عن مسارها الطبيعي، و شوه صورة الفلسطيني و نضاله و تلاحم أبنائه على مر السنين و عبر كل المحن و الصعاب. فلنبدأ بأنفسنا، و لنسرع للملة جراحنا قبل أن تتفاقم و يصعب علاجها، و لنروي شجرة الوحدة قبل أن تنتشر سموم الفتنة في جذورها، فلنتفق الآن و لننحي الأهداف السياسية الحزبية الضيقة جانباً و لنرفع شعار فلسطين أولاً و أخيراً قبل فوات الأوان.
[email protected]