الأخبار
سرايا القدس تستهدف تجمعاً لجنود الاحتلال بمحيط مستشفى الشفاءقرار تجنيد يهود (الحريديم) يشعل أزمة بإسرائيلطالع التشكيل الوزاري الجديد لحكومة محمد مصطفىمحمد مصطفى يقدم برنامج عمل حكومته للرئيس عباسماذا قال نتنياهو عن مصير قيادة حماس بغزة؟"قطاع غزة على شفا مجاعة من صنع الإنسان" مؤسسة بريطانية تطالب بإنقاذ غزةأخر تطورات العملية العسكرية بمستشفى الشفاء .. الاحتلال ينفذ إعدامات ميدانية لـ 200 فلسطينيما هي الخطة التي تعمل عليها حكومة الاحتلال لاجتياح رفح؟علماء فلك يحددون موعد عيد الفطر لعام 2024برلمانيون بريطانيون يطالبون بوقف توريد الأسلحة إلى إسرائيلالصحة تناشد الفلسطينيين بعدم التواجد عند دوار الكويتي والنابلسيالمنسق الأممي للسلام في الشرق الأوسط: لا غنى عن (أونروا) للوصل للاستقرار الإقليميمقررة الأمم المتحدة تتعرضت للتهديد خلال إعدادها تقرير يثبت أن إسرائيل ترتكبت جرائم حربجيش الاحتلال يشن حملة اعتقالات بمدن الضفةتركيا تكشف حقيقة توفيرها عتاد عسكري لإسرائيل
2024/3/29
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

المفاوضات السرية في أوسلو بقلم:د. عمر محمود شلايل

تاريخ النشر : 2005-11-19
المفاوضات السرية في أوسلو بقلم:د. عمر محمود شلايل
المفاوضات السرية في أوسلو

المباحثات السرية واتفاق المبادئ في أوسلو.

أولاً: المباحثات السرية:

1- الاتصالات العربية السرية: منذ عشرينات القرن الماضي لم تتوقف الاتصالات السرية بين العرب والحركة الصهيونية، بل نستطيع القول أن الاتصالات السرية قد ولدت مع بدايات تحول فلسطين العربية إلى فلسطين اليهودية. وجميع محاولات الاتصالات والتفاوض كانت تتم بصورة سرية، وفي ظل تكتم شديد. وفقد الكثيرون حياتهم بسبب ذلك.

كان الاتفاق الذي أبرمه وايزمن مع الأمير فيصل بن حسين بن علي في 3 يناير/ كانون الثاني 1919، والذي جاء بالموافقة علي وعد بلفور، وسمح بالهجرة اليهودية إلى فلسطين فاتحة اتصالات عديدة في هذا الشأن.(1)

ولسنا هنا بصدد تأريخ هذه الاتصالات بالقدر الذي نسعى فيه إلى إلقاء نظرة سريعة تفي بالغرض لموضوع هذا المبحث وهو: "إعلان المبادئ" الذي وقع بين منظمة التحرير الفلسطينية، وحكومة دولة إسرائيل في 13 سبتمبر/ أيلول 1993م في واشنطن.

يشير دافيد بن غوريون إلى زيارة قام بها "موسى شاريت" إلى لبنان، واجتمع بالزعيم اللبناني رياض الصلح الذي أصبح رئيساً لوزراء لبنان فيما بعد، وقد وعد رياض الصلح باستكمال المحادثات بصورة سرية في فلسطين، حيث وصل إلى القدس في أوائل يونيو/ حزيران 1934، وطلب أن يكون العرض اليهودي مكتوباً، وأشار إلى أن المحادثات الأولى مع موسى العلمي ورياض الصلح وعوني عبد الهادي قد عززت الاعتقاد بإمكانية التوصل إلى تفاهم شفوي.(2)

وفي شهر أبريل/ نيسان 1934، زار الزعيم الصهيوني وايزمن لبنان، واجتمع مع أمين إده، والبطريك الماروني أنطون عريضة، وتم الاتفاق على تعاون ماروني صهيوني، وأوضح البطريك عريضة في رسالة في 10 أبريل/ نيسان 1934، إلى الجمعيات اليهودية في الأرجنتين يقول فيها: "أما نحن فقد رأينا أن من الواجب الإنساني، والمحبة والاخوة، والعلاقات التاريخية والدينية التي تربطنا بكم، أن نرفع صوتاً عالياً بالاحتجاج على ما نالكم مـن الاضطهـاد، كما أننا مستعـدون أن نؤازركـم مـع ضعفنـا فـي كل مـا سيـؤول لخـير أمتكـم، سالكـين علـى درب الإنجيـل المقـدس، وطريقـة البطاركــة.(1)

وفي عام 1935، قام المطرانان عقل والمعوشي بزيارة إلى فلسطين، واجتمعا بحاييم وايزمن، وتم الاتفاق على أن يكون لبنان وطناً قومياً مسيحياً، مقابل الاعتراف بفلسطين وطناً قومياً لليهود، كذلك التقى رئيس جمهورية لبنان الأسبق أمين إده في عامي 1941،1936 بحاييم وايزمن عدة مرات، و أعلن إده إلى أنه يتطلع إلى اليوم الذي يقيم فيه لبنان علاقات ودية مع الدولة العبرية عند قيامها في فلسطين.(2)

وفي أثناء زيارة اميل إده لفرنسا في حزيران/ يونيه 1935 تقابل مع وايزمن ووقع معه على تقرير اللجنة الملكية البريطانية التي تجعل من فلسطين أرضاً لإقامة الدولة اليهودية، وبعد التوقيع قال الرئيس اللبناني "لي الشرف أن أهنئ الرئيس الأول لدولة اليهود والتي ناضلت الحركة الصهيونية لاستقلال الشعب اليهودي في أرضه التي خسرها قبل آلفي عام." وطالب إده وايزمان بإقامة علاقة حسن جوار بين دولة اليهود والبنان.

كذلك قابل ساسون بشارة الخوري عام 1941، وقال بشارة الخوري لساسون: "يوجد بيننا وبينكم حاجز يجب إزالته هو جبل عامل وهناك ضرورة لتفريغ هذه المنطقة من السكان الشيعة الذين يشكلون خطرا على لبنان ، فقد سبق لهم أثناء فترة الاضطرابات في فلسطين أن تعاونوا مع العصابات هناك لتهريب الرجال والسلاح."(3)

وكذلك تم اتصال أبا إيبان مع أمين عام الجامعة العربية عبد الرحمن عزام، في أغسطس/ آب عام 1947 في فندق سافوى بلندن، ودار الحديث بينهما عن خطة للصلح بدل الحرب، وبدل التعلق بالمقاومة اليائسة كما قال آبا إيبان، فقاطعه عزام قائلا إن العالم العربي ليس في مزاج ليتقبل التسوية، إنكم لن تنالوا شيئا عن طريق التسوية أو الأساليب السلمية.(4)

إن أول محاولة للاتصالات مع الملك عبد الله من قبل الوكالة اليهودية كانت في الحصول على اعتراف من أي زعيم عربي بالحق اليهودي، وكذلك اتصل الياهو ساسون مع رئيس وزراء مصر إسماعيل صدقي الذي عرض عليه مشروع التقسيم وقد رفضه، وقد عرض التقسيم على الملك عبد الله أيضاً، وكان الخلاف بين إسماعيل صدقي، والملك عبد الله، هو سبب فشل المبادرة اليهودية في عام 1946، ففي حين رأى الملك عبد الله ضم القسم العربي إلى مملكته أراد رئيس الوزراء المصري إقامة دولة فلسطينية مستقلة إلى جانب الدولة اليهودية.(1)

وتفيد تصريحات مصادر الخارجية الأمريكية أن الملك حسين اجتمع أربع عشرة مرة مع إيجال آلون، اثنتي عشرة مرة مع آبا إيبان، وثماني مرات مع هيرتزغ، وثلاث مرات مع جولدا مائير، ومثلها مع موشي دايان. ولكثرة هذه الاتصالات واللقاءات والمبادرات، والاتفاقيات فإن مجلس الجامعة العربية وبتاريخ الأول من أبريل/ نيسان 1950، أصدر قراره رقم 292: "انه لا يجوز لأي دولة من دول الجامعة العربية أن تتفاوض في عقد صلح منفرد، أو أي اتفاق سياسي أو عسكري أو اقتصادي مع إسرائيل... وأن الدولة التي تقدم على ذلك تعتبر على الفور منفصلة عن الجامعة العربية، طبقاً للمادة الثامنة عشرة من ميثاقها."(2)

2- الاتصالات الفلسطينية السرية:

بعد قيام منظمة التحرير الفلسطينية، كانت بداية الاتصالات الفلسطينية بالقوى اليهودية الديمقراطية، والمحبة للسلام، وكانت هذه الاتصالات صعبة ومقلقة في البداية، ومرفوضة أيضاً لدى قطاع واسع على الساحة الفلسطينية، والعربية كذلك، وكانت من المحرمات لدى حكومة إسرائيل ويعاقب عليها القانون.

وكان هناك من الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي من كرسوا حياتهم لهذه الاتصالات، ومنهم من دفع حياته ثمناً لذلك، ويعتبر الدكتور محمود عباس "أبو مازن" الأبرز والأشهر في الصف الفلسطيني وحامل لواء هذه الاتصالات من أجل السلام.(3)

وفي الجانب الفلسطيني أيضاً كان هناك من دفعوا حياتهم ثمناً لتلك الاتصالات أمثال: الشهيد سعيد حمامى، مندوب فلسطين في إنجلترا والشهيد عز الدين القلق، مندوب فلسطين في فرنسا، والشهيد نعيم خضر مندوب فلسطين في بلجيكا، والشهيد عصام السرطاوي الذي كان يعمل في هذا الاتجاه.

وبرغم وعورة هذا الطريق، إلا أن قناعة فلسطينية عليا على مستوى القيادة بأهمية هذا الدور أعطته التواصل والاستمرار.

أما من الجانب اليهودي: فكـان هناك أبي ناتان، صاحب إذاعة السلام وكان ضابطاً

طياراً فـي حـرب 1948، ورأي هـول غارتـه الأولي على العزل من النساء والأطفال في فلسطـين، فـرمـي حمـولتـه فـي اليـوم التالـي فـي خليـج عكـا، وقـدم استقالته، وكرس حياته للسـلام، وقـد سجـن مرتيـن، ولكنـه أصـر علـى المـواصلـة.

وكان كذلك الجنرال "متتياهو بيليد"، "ويوري أفنيري" "وأربيه اليـاف"، قـد فتـحوا قناة اتصال مع منظمة التحرير الفلسطينية عبر الشهيد عصام السـرطاوي، و كــذلك "حركة السلام الآن" والسيدة "سيمون بيتون" وهي يهودية مغربية. وكذلك "شلومو الياز" الأستـاذ الجامعـي والموظـف الكـبير فـي الوكالـة اليهوديـة. وكـذلك "سيرج بوردوغو" رئيس الطائفة اليهودية المغربية، "ونعيم جلعاوى" رئيس طائفة اليهود الشرقـيين في أمريكا. وكذلك "أندرية أزولاي" رئيس جمعية حوار وهوية، وفي لقاء في طليطلة بأسبانيا في 5/7/1989 حضر أكثر من أربعين شخصية يهودية شرقية من إسرائيل وخارجها.

كانت الاتصالات الفلسطينية تتم مع قوي السلام الإسرائيلي حتى عام 1977م. وعندما عقدت الدورة الثالثة عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني في الفترة من 12 - 22 مارس/ آذار 1977، صدر قرار عن المجلس يشير إلى أهمية العلاقة والتنسيق مع القوي اليهودية الديمقراطية والتقدمية.

وكانت الدورة الثانية عشرة للمجلس الوطني الفلسطيني، والتي عقدت في القاهرة في مطلع يونيه/ حزيران 1974 تهدف إلى تبنى برنامج مرحلي يؤهل منظمة التحرير الفلسطينية كي تكون طرفاً فاعلاً في التسوية. وأقرت الجلسة الختامية التي انعقدت في 8 يونيه/ حزيران 1974 البرنامج السياسي المرحلي لمنظمة التحرير الفلسطينية والذي يطلق عليه "برنامج النقاط العشر."(1)

أتاح هـذا البرنامـج الـذي أنهـي مرحلـة تاريخيـة بكاملهـا إلـى إفساح المجـال فـي الـدورة الثالثـة عشـر للمجلـس الوطني لأتحاذ قرار الاتصال بقوي السلام.

ولقد تم تأكيد هذا القرار في الدورات اللاحقة: في الدورة الخامسة عشرة، والسادسة عشرة، والثامنة عشرة، والتاسعة عشرة.

وأكد ذلك أيضاً المؤتمر العام الخامس لحركة فتح الذي عقد في تونس في 3 أغسطس/ آب 1989، وبهذا أصبحت الاتصالات بعد عام 1977 مغطاة بقرار رسمي شرعي من أعلى سلطة تشريعية ونص القرار:

"يقـرر المؤتمـر دعـوة اللجنـة التنفيذيـة لوضـع خطـط بفتـح خطوط اتصال فلسطينية مع الدوائر اليهودية أو الإسرائيلية المؤيدة لقضيتنا ولفكرة دولة فلسطينية مستقلة."(1)

كانـت هنـاك عـدة قنـوات سريـة للاتصـالات منهـا القنـاة التـي يتـولاها محمـود عبـاس أبـومازن بنفسـه مـع مجمـوعات اليسـار الإسرائيليـة، وعلى رأسهم "شولاميت ألوني"، وكذلك الصحفي الإسرائيلي "يوري أفنيري"، والكاتب الفلسطيني "أميل حبيبي"، وكانت هناك قناة أخري طرفها الفلسطيني "وليد الخالدي" الأستاذ بجامعة هارفارد الأمريكية، وطرفها الإسرائيلي "آبا إيبان" وقد رتب هذا القناة جورج شولتز، وكـذلك كانت هناك قناة في القاهرة يتولاها "سعيد كمال" سفير فلسطين السابق في القاهرة، للالتقـاء بـزوار القـاهرة مـن الشخصيـات الإسرائيليـة الهامة بتشجيع من المستشار أسامه الباز.(2) وكان العارفين بهذه القناة من المسئولين المصريـن يلحـون علـى منظمة التحرير الفلسطينية بقبـول قـراري مجلـس الأمـن رقـم 242، 338، ونبـذ الإرهـاب.

وكانت هناك أيضاً قناة سرية هامـة يتولاها "بسام أبو شريـف". وكانت أيضاً هناك لجنة في تونس بإشراف محمود عباس أبو مازن تتابع عمل هذا القنوات، كان كل طرف يريد أن يتعرف على رأي الطرف الآخر.(3)

قام وزير الخارجيـة السويـدي "ستين أندرسون" بدعوة شخصيات فلسطينية إلى ستوكهولم يوم 21 نوفمبر/ تشـرين الثانـي 1988 مـن منظمة التحـرير الفلسطينيـة وكذلك شخصيات يهودية أمريكية وهم: خالد الحسن، وهشـام مصطفـي، وعفيـف صافيـة، ويوجين مخلوف ممثل فلسطين في ستوكهوم وريتا هاوزر، وستانلـي شاينبـاوم، ودرورا كـاس، ووقـع الطـرفان بيـاناً حـوى نقـاط إيجابيـة وظـل هـذا البيـان سـراً.

ودعـت الحكـومة السويدية الرئيس أبو عمـار بإلحاح لزيارتها بأسرع وقـت ممكـن وتمت الزيارة يـوم 26 ديسمـبر/ كـانون الأول 1989، وكان وزير الخارجية السويديـة يحمل مقترحاً مـن وزيـر خارجيـة الولايـات المتحـدة وهـو عبـارة عـن بيـان تصـدره منظمـة التحريـر الفلسطينيـة، وبيـان آخـر يصـدر عـن الإدارة الأمريكيـة.

ولقد بقي الحديث مع الولايات المتحدة عبر السويديين سراً، وكانت منظمة التحرير الفلسطينية غير موافقة على صيغة شولتز، واقترحت مجموعة تعديلات لها.(1) وبعد التعديلات أصبح البيان المقترح من منظمة التحرير الفلسطينية يحوي: أنها على استعداد للتفاوض مع إسرائيل على قاعدة 242، 338 وأنها تتعهد بالعيش بسلام مع إسرائيل، وتدين الإرهاب، وما يكفي لإرضاء الشروط الأمريكية، وعلى العموم بعد أخذ ورد وتعديلات وافق الأمريكان على فتح حوار مع منظمة التحرير الفلسطينية.

وكانت هناك أيضاً قناة خلفية مع حزب الليكود وقد بدأت الحكاية كما يرويها محمود عباس في يوم 4 يوليو/ حزيران 1987 في بيت "موشيه عميراف"، رجل الليكود القريب جداً من "اسحق شامير" وبحضور "سري نسيبة"، و"صلاح زحيفه"، ودار الحديث حول الحل المفضل للقضية الفلسطينية، وكان "دافييد إيش شالوم" قد اقترح في كتابه "الرعب والأمل" إقامة كيان فلسطيني غير مسلح في الضفة الغربية وقطاع غزة، بقيادة منظمة التحرير الفلسطينية.هذا الأفكار أتفق إيش شالوم وعميراف على تسويقها، الأول يسوقها لدي الفلسطينيين والثاني لدي حزب حيروت.

وعندما عرضت هذه أيضاً حملها "نسيبة" و"زحيفة" إلى فيصل الحسيني لكي يتم اللقاء الثاني في بيت سري نسيبه في قرية أبو ديس يوم 12 يوليو/ تموز 1987، وحضر اللقاء شالوم وعميراف وفيصل الحسيني، وناقشوا أفكار الدولة الفلسطينية وحول مختلف القضايا.

وفي اللقاء الثالث في معهد الدراسات العربية في 30 يوليو/ تموز 1987 حضر الأربعة أنفسهم، وقال "عميراف" إن عضوي الكنسيت "أهودا أولمرت" "ودان ميريدور" سينضمان للمحادثات فيما بعد.

وفي اللقاء الرابع في 22 آب/ أغسطس 1987 وضعت الصيغ لورقة تفاهم تكون أساساً للنقاش بين القيادات، وطرحت إمكانية سفر "عميراف" إلى جنيف للقاء الرئيس عرفات وقد تحدثوا في هذا اللقاء عن كل شئ جوازات السفر، والعملة، والسفارات، وكأن الأمر اتفاقية سلام كاملة.

اللقاء الأخير الذي تم في 22 أغسطس/ آب 1987 في فندق Orient House الذي تمتلكه عائلة الحسيني، حيث قال "عميراف" أن الورقة التي أعدها سلمها إلى أعضاء مهمين في وفد رئيس الحكومة المغادر إلى رومانيا وتحتوي الورقة على تسوية مرحلية، وكيان منزوع السلاح، والعاصمة تكون القدس الشرقية، وعلاقة كونفدرالية مع الأردن، وتسيطر إسرائيل بعد انسحابها من التجمعات السكانية على نقاط إستراتيجية على نهر الأردن.

عندما ذهب "إيش شالوم" إلى جنيف والتقي الرئيس عرفات، وسأله إذا كان علـى

استعداد أن يعطي رسالة تتضمن نفس الشـروط الواردة في الورقة سأله عرفـات إن كان

"شالوم" مندوباً عن الحكومة الإسرائيلية، ولما نفي ذلك قال عرفات إنه ليس هاوياً سياسياً.(1)

وعلى وجه العموم، فقد تمت محاولات مع "شارون" ومحاولة "ديفيد كمحي" الذي ينتمي إلى تكتل الليكود، وهو من أصل إيراني وهو كذلك من الأسماء المشهورة في عالم الموساد، ولم تسفر محاولاته عن شئ، وكانت تكشف دائماً في وقت مبكر.

وهناك محاولات أخرى تمت في أوائل ديسمبر/ كانون الأول 1992، للاتصال بالليكود، وفتح قناة خلفية للمفاوضات المتعثرة في واشنطن في هذه الأثناء بدأت قناة أوسلو عملها، وكان قبل ذلك وعلى خط آخر اتصالات غير مباشرة مع حزب العمل، وكان "عبد الوهاب الدراوشة" هو الذي بدء مساعيه في 12 أبريل/ نيسان 1989 عندما حضر إلى تونس يحمل مشروعاً سياسياً، وأن هذا المشروع من صنع "اسحق رابين"، وأن هذه الخطة التي قدمهـا "اسحـق رابين" لا تختلف كثيراً عما تم التوصل إليه في أوسلو بعد أربع سنوات.

وفي 10/4/1992، التقي "سعيد كنعان" أحد أعضاء حركة فتح البارزين في الأرض المحتلة والذي كان على صلة مع أحد أعضاء الكنيست المقربين من "اسحق رابين"، التقي بشخصية كبيرة من طرف "اسحق رابين" وأبلغه رسالة من القيادة الفلسطينية تحتوي علي ثلاث نقاط:

1- نحن مسرورون من برنامجكم الانتخابي.

2- ماذا تطلبون منا لنقدمه إليكم، ونحن مستعدون لعقد اتفاق.

3- نحن نرغب في ترتيب لقاءات على مستوى (Y. R) أومن يفرزه لذلك. وجاء الجواب من خلال ورقة مكتوبة باللغة العبرية، وقامت تلك الشخصية الكبيرة بترجمتها، وإملائها عليه باللغة الإنجليزية، وقبيل الانتهاء من الرسالة، حضر اسحق رابين لدقائق معدودة لإعطاء انطباع أنهم جادون، ولإبلاغه بما يلي رداً على رسالة القيادة الفلسطينية:

(1) نحن جادون.

(2) يجب أن لا يكون هناك أي تسريب إطلاقا لهذه الاتصالات.

(3) أنا مستعد لبحث رسائل أخري.

(4) انتبهوا لكل كلمة تقولونها ونحن نتابع كل تصريحاتكم، ويجب بذل جهد حقيقي لضبط كل إنسان فيما يصرح فيه.(1)

وذكرت الشخصية الكبيرة الملاحظات التالية وأهمها:

1- نحن جادون ونعني ما نقول.

2- نحن نفترض أن ياسر عرفات يعلم كل شئ، وأنه وراء هذا الاتصال.

3- نحن نفهم أن أربعة منكم فقط يعرفون عن هذه الاتصالات وهم أنت وأنا وياسر عرفات ومحمود عباس وسعيد كمال، ومن جهتنا: اسحق رابين وتلك الشخصية.

4- ولن نسمح بقناة ثانية.

5- إذا حصل أي تسريب سنقوم بنفي ذلك، ونحملكم مسئولية الفشل. ونأمل أن تبقي الاتصالات بصورة سرية مطلقة، ونأمل ونفترض أنكم جادون.

وكان الرد الفلسطيني المرسل من القيادة الذي حمله سعيد كنعان بتاريخ 20 أبريل/ نيسان 1992، مفاده أن أبا عمار يعلم عن جميع هذه الاتصالات ويدعمها، قرأنا رسالتكم ونحن متفقون معكم على مضمون ما ورد في رسالتكم، ونسير في العملية السياسية بجدية كاملة.

ويبدو أنه حدث تسريب لمجلة فرنسية مما جعل رابين يبدو غاضباً وبعث برسالة عبر الشخصية تلك حملها سعيد كنعان، وفيها غضب شديد بسبب ما ورد في المجلة، بأن هناك اتصالات سرية بين رابين وعرفات.

وقد حوت الرسالة أكثر من 16 نقطة هامة، وبعد نجاح رابين بعثت القيادة الفلسطينية رسالة أخري هامة، علماً أن القيادة الفلسطينية نفت على الإطلاق قيامها بتسريب الخبر، وأن خصوم رابين هم الذين فعلوا ذلك. وارفق مع الرسائل ملحق يوضح الموقف الفلسطيني في مسألة الحكم الذاتي في المرحلة الانتقالية.(2)

بداية البداية:

يقول محمود عباس عن بداية البداية في اتفاق أوسلو أنه على هامش اللقاء الذي عقد في 3ديسمبر/ كانون الأول 1992 في لندن للجنة القيادة الخاصة بالمفاوضات المتعددة الأطراف أن فيصل الحسيني وحنان عشراوي وعفيف صافيه ممثل المنظمة في لندن طلبوا من أبي علاء اللقاء مع "يانير هيرشفيلد" عضو حزب العمل والأستاذ في جامعة تل أبيب، والذي يقدم نفسه على أنه مستشار لكل من "شمعون بيريز" وزير الخارجية الإسرائيلية ونائبه "يوسي بيلين". وتم اللقاء وانصب الحديث على القضايا السياسية الخاصة بمفاوضات واشنطن.

وحمل "أبو علاء" إلى تونس تقريراً حول اللقاء إلى الرئيس ياسر عرفات الذي أحاله إلى أبو مازن، وتمت القناعة أن "هيرشفيلد" يريد أن يفتح قناة للاتصال، غير قناة واشنطن.

وفي يوم 7 ديسمبر/ كانون الأول 1993 التقي "أبو علاء" و"أبو مازن"، وكان القرار بمتابعة الحوار في النرويج حسب اقتراح "هيرشفيلد" ولم يصدق أحد أن "هيرشفيلد" مجرد أستاذ جامعي يبحث عن الحقيقة، فلقد كان لدينا معلومات كاملة حوله، وتم أخذ كافة الاحتياطات بجعل الأمر يبقي سرياً، وعندما أبدى أبو علاء تخوفاً من أن يكون وحده في الحوار مع الإسرائيليين، اقترح أن يكون معه حسن عصفور، وخاصة أن حسن عصفور سكرتيراً للجنة الخاصة بالمفاوضات وينتمي إلى الحزب الشيوعي الفلسطيني، وهو عضو في لجنته المركزية.

ووقع الاختيار على السيد "ماهر الكرد" ليكون ثالث أعضاء الوفد حيث يتقن اللغة الإنجليزية، وقد عمل مستشاراً اقتصادياً في دائرة "أبو علاء" ثم أنتقل للعمل مع الرئيس عرفات.

ويقول أبو مازن أنه عكف على دراسة الوثائق التي تبادلها الفريقان الفلسطيني والإسرائيلي في مفاوضات واشنطن، وأنها غلبت عليها الحرفية السياسية، ومن هنا بدأ التفكير بأسلوب آخر لقناة أوسلو في الدخول مباشرة إلى المضمون، ووضع أبو مازن أفكاراً يمكن أن تكون أساساً لإعلان مبادئ، وأخفى هذه الأفكار حتى يتم بحثها مع الخارجية المصرية، وأن الخارجية المصرية أجرت بعد الإطلاع عليها بعض التعديلات، وتكونت هذه الأفكار من عشرة نقاط. وكذلك تم عرض هذه النقاط بطريقة غير مباشرة على وفد يهودي أمريكي، وهم من المقربين إلى شمعون بيريز، ويقومون بزيارة إلى تونس، أبدى الوفد إعجاباً بهذه النقاط.(1)

الوثيقة: وتشتمل الوثيقة التي وضعها أبو مازن على عشرة نقاط تتلخص في:

1- التوصل إلى سلام عادل ودائم وشامل عبر مباحثات مباشرة على أرضية القرارين 242، 338.

2- نطاق السلطة الانتقالية تشمل الأراضي المحتلة عام 1967، ويتم الاتفاق على بحث الإستثناءات بولاية قرار 242، 338، ومبادئ القانون الدولي.

3- تمارس السلطة الانتقالية الفلسطينية، كافة السلطات التي يتفق على نقلها إليها.

4- يتم اختيار السلطة الانتقالية بالانتخاب العام والحر المباشر من قبل جميع السكان الفلسطينيين وحسب إحصائيات 4 يونيه/ حزيران 1967.

5- تتولى جهات دولية يتفق عليها مراقبة عملية الانتخابات ونقل السلطة.

6- تنشأ لجنة مشتركة ثنائية لبحث القضايا المشتركة وفض المنازعات.

7- تشكيل لجنة تحكيمية، تحال إليها كافة الأمور المختلف عليها من لجنة فض المنازعات وتتكون من راعي المؤتمر ومصر والأردن والأمم المتحدة ويضم لها ممثلات عن السلطة الانتقالية وحكومة إسرائيل.

8- إن قضايا الأمن تتطلب دراسة منطلقة من توفر النوايا الحسنة لدى كافة الأطراف، بما يعطي الأمن مفهوماً إيجابياً.

9- يبدأ الطرفان ببحث المرحلة النهائية بعد سنتين من تطبيق المرحلة الانتقالية، وفي كل الأحوال تبدأ في موعد لا يتعدى بداية السنة الثالثة من تطبيق الاتفاق.

10- ودون الإجحاف بالمرحلة النهائية، يتم بشكل غير رسمي دراسة إمكانية إنشاء اتحاد كونفدرالي للبحـث فـي أفضـل السبـل والوسائل المناسبة لاستقرار المنطقة وإشاعة السلام.(1)

حمل الوفد الفلسطيني المسافر إلى أوسلو معه هذه الوثيقة التي تعتبر أقرب ما تكون إلى إعلان مبادئ أو أساساً لإعلان مبادئ كما عبر عن ذلك أبو مازن.

وكان من المفترض أن يشمل أساس الإعلان بنداً عما ستؤول إليه المرحلة النهائية، أو يتضمن أساس الإعلان بنداً عن حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وحسب قرارات الشرعية الدولية.

الجولة الأولي: (20 – 22 يناير/ كانون الثاني 1993).

لقد اختار النروجيون مدينة ساريسبوغ التي تبتعد حوالي مائه كيلومتر عن أوسلو لتكون بداية اللقاء الفلسطيني – الإسرائيلي، وكان حاضراً عن الجانب الإسرائيلي "ياينر هيرشفيلد"، "ورون بونديك" ولم يوضح الاثنان علاقتهما بالخارجية الإسرائيلية، ولكنهما ألمحا إلى أن علاقة ما تربطهما بنائب وزير الخارجية يوسى بيلين الذي دفعهما إلى هذا اللقاء، وعلى العموم كانت بداية ضعيفة مثل كل البدايات.

وكان الأخ أبو علاء قد كتب قبل أن يغادر تونس كل ما يريد أن يقوله للجانب الإسرائيلي، وحديث أبو علاء في هذه الجلسة لم يركز على نقطة معينة، بل طرح مع التوسع محتوى الوثيقة التي قدمها له الأخ أبو مازن قبل سفره إلى النرويج.

وعلى العموم يتضح من محضر اللقاء في 21 يناير/ كانون الثاني ملاحظتين هامتين أولهما: أن "هيرشفيلد" و"بونديك" ليسا بعيدين عن وزارة الخارجية، وثانيهما أن "يوسي بلين" عضو الكنيست ونائب وزير الخارجية يدعمهما ويمنحهما تأييده وثقته، وكان هناك أيضاً مؤشر هام إلى وجود "شمعون بيريز" على الخط. وعلي العموم كانت الجلسة الأولي تعطي الانطباع للقيادة الفلسطينية بضرورة التواصل.

الجولة الثانية: (11 فبراير/ شباط 1993).

كـانت بدايـة الحـديث فـي هـذه الجلسـة للجانـب الإسرائيـلي الذي ركز على مواضيع أساسية فـي إعلان المبادئ، مثـل المرجعية والمجـلس والانتـخابـات والقـدس و الـولايـة، والحـديث عـن الانسحـاب مـن غـزة، والتنميـة الاقتصـادية.

وأوضـح "يانير هيرشفيلد": يوجد تفاهم حول إحراز تقدم فـي اللقاء الماضي، وقد

تمكنا أن نفهم منكم رسالتين:

النقطة الأولى: أنتم تريدون عملية السلام، ولكن في نهاية المطاف لن تنشأ دولة فلسطينية الآن، وأنما تترك للتطورات اللاحقة، كما أن دور المنظمة سيكون مباشراً وعلنياً بعد سنوات.

النقطة الثانية: أنكم تتفهمون الصعوبات التي نواجهها، وأنكم على استعداد لإبداء بعض المرونة لإنجاح العملية، الأمر الذي يعني أنكم على استعداد للنزول تحت الماء ثم الصعود تدريجياً في فترة لاحقه.

وعندما قال أبو علاء: أن رسالة التطمينات الأمريكية أكدت على مشاركة سكان القدس، رد عليه هيرشفيلد: إذن... خذوا موضوع مشاركة القدس من الأمريكيين مباشرة وليس منا.... لأن الحكومة الإسرائيلية ستسقط إذا وافقت على مشاركة سكان القدس.(1) ويبين محضر الجلسة الذي بين أيدينا أن مستوى الحوار في أوسلو أفضل بكثير من حوار مدريد وأسرع، وان ارتياح الجانبين بعيداً عن الشكليات في واشنطن ساهم في انطلاق الحوار، مع بقاء محاولات التهرب في بعض الأحيان من مسائل هامة مثل الوقف لعمليات الاستيطان، أو القدس، وعودة المبعدين ومعاناة الفلسطينيين في الأراضي المحتلة.

الجولة الثالثة: (20 مارس/ آذار 1993).

تحدث الإسرائيليون في هذه الجلسة عن قرب تحقيق نقطة تحول جدية تنقلنا من حالة العداء إلى حالة الصداقة والتعاون، وأكدوا أن الأولوية لديهم للمسار الفلسطيني، ثم المسار السوري، وتحدثوا كذلك عدم وصولنا إلى اتفاق مع وزير الخارجية الأمريكية كريستوفر حول 242، 338 وأنه كان بالإمكان الوصول إلى افضل من ذلك، وكذلك تم الحديث عن القدس وكذلك تناول الحديث عن تعدد الاتصالات وأبدا الإسرائيليون رغبتهم أن يتم التنسيق فقط عبر قناة أوسلو.

أما الوفد الفلسطيني فقد أكد على ضرورة مشاركة المصريين الذين بدءوا يطلعون أولاً بأول على الوثائق وان الذين كانوا يطلعون هم: "عمرو موسى"، والدكتور "أسامة الباز" وأعلن الوفد الفلسطيني بأنه لا يمكنه التوقيع على أية اتفاقية دون النص علي القدس. و رد "هيرشفيلد" علينا أن نجد طريقة لتمرير ذلك وعلينا أن نجد لغة خاصة عند الحديث عن القدس. وتم الحديث كذلك حول بند نطاق السلطة، وتسائل أبو علاء حولها: هل تريدون فترة انتقالية لاختبار النوايا؟ أم أنكم تردون فرض الأمر الواقع والإلحاق؟ إذا كان كذلك فإن هذا يدمر عملية السلام، وأوضح هيرشفيلد أن حدود السيادة الإسرائيلية اليوم هي الخط الأخضر (أي حدود ما قبل عام 1967) وأن الحكومة الإسرائيلية لا تريد الإلحاق، وانتهت الجولة باستعراض للوثيقة التي أعدت لتكون مشروع إعلان مبادئ. و أعلن "هيرشفيلد" في الجلسة أنه سيعود إلى إسرائيل حاملاً تلك الوثيقة.

وفي نهايـة محضـر الجلسـة كتـب الوفـد الفلسطينـي جملـة مـن ا لمـلاحظات المختصرة حول موقف الإسرائيليين والنروجيين والأمريكـيين وهـي علـى النحـو التالـي:

أولاً: ملاحظات تتعلق بالطرف الإسرائيلي:

هذه الوثيقة معدة من قبل السيد شمعون بيريز شخصياً، والمقصود هنا الوثيقة التي أحضرت معهم قبل التعديلات، وأن رابين على إطلاع بما يجري ولكنه ليس على إطلاع بكامل التفاصيل، وطاقم الخارجية المختص والمعني فقط بتبني تمام لهذه القناة الخلفية، وداعم لنتائجها. لقد أثبتت منظمة التحرير الفلسطينية أنها شريك مؤهل، نتوقع ولا نعارض عودة القيادة الفلسطينية من تونس إلي القطاع، سيقدمون في اللقاء القادم وثيقة حول تصورهم لترتيبات انسحابهم المبكر من غزة، أعربوا عن اهتمام مصر وسيسافر رئيس وفدهم إلى القاهرة.(1) هذه جملة من المـلاحظات التـي كتبهـا الوفـد الفلسطـيني عـن الإسرائيليين، وتبين علم القيادة إسرائيلية على أعلى مستوى بقناة أوسلو وأن وزارة الخارجيـة تتبنـى هـذه القنـاة بحماس واضح مقارنة بمحادثات واشنطن في مؤتمر مدريد.

ثانياً: ملاحظات تتعلق بالطرف الأمريكي:

هـم على اطلاع بهـذه القنـاة علـى مستـوى وزيـر الخارجيـة، الـذي عـبر عـن اهتمامـه وتشجيعـه. سيتوجـه منـدوب مـن وزارة الخارجيـة النروجية إلى واشنطن حاملاً الوثيقة الأخيرة، بناء على دعوة خطيـة مـن وزارة الخارجيـة الأمـريكية.

ثالثاً: ملاحظات تتعلق بالطرف النرويجي:

تبذل جهود كبيرة من قبل وزير الخارجية ونائبه وشخصين آخرين من الوزارة لتأمين كل التسهيلات، والدعم اللازم لهذه القناة، هم على اتصال دائم مع الأطراف جميعها، أعربوا عن تفاؤلهم الكبير.

ما بين الجلستين الثالثة والرابعة جرت اتصالات بين القيادة الفلسطينية وبين المسئولين النرويجيين. وقد ابلغ نائب الوزير النرويجي "تيري لارسون" في 10 أبريل/ نيسان 1993 تلفونياً القيادة الفلسطينية بأن:

عقد مندوبهم اجتماعات مع بيريز وبيلين بالأمس، وان رابين التقي عدة مرات مع بيريز لمناقشة الاتفاق، وقال رابين أن هذه القناة هي أهم حدث، وأن المفاوضين هم الآن مفوضون تماماً. ويمكن اعتبار الاتفاق إطاراً مقبولاً تماماً، وبيريز ورابين يعتبرون منظمة التحرير الفلسطينية أهم شريك، وقد التقوا بالأمريكان، وبحثوا معهم في التفاصيل، وهم يشعرون بأهمية هذه الاتصالات، وبأنها القناة الأهم. وكذلك يرغب الأمريكان أن تظل أوسلو هي القناة.(1)

الجولة الرابعة: (30 أبريل/ نيسان 1993).

كان النرويجيون يغيرون باستمرار مكان الاجتماع، وانتقلت هذه الجولة إلى "هولمين كولين بارك"، وهو مكان منعزل بعيداً عن الناس وتحيط بالمكان غابة واسعة، وقد فرض هذا الوضع على الوفدين ليبقيا معاً ساعات العمل وساعات الراحة، وكثيراً ما كان يجري الحديث بحرية وصراحة وحميمية كما يقول أبو مازن.

وفي هذه الجولة قال "يائير هيرشفيلد" أنه قد تحقق الكثير، فقد باركتها الولايات المتحدة، وحصلتم على الدعم المصري، وحققنا قدراً كبيراً من مباركة رابين لمواصلة العمل من خلال هذه القناة.

وعندما قال هيرشفيلد نحن لم نتفق تماماً بعد، لقد قمنا بتطوير الوثيقة هنا، لكننا بصراحة بحاجة إلى مزيد من التفكير حولها، والي مشاركة دائرة أوسع.

ورد أبو علاء: إلى متى سننتظر؟ فرد هيرشفيلد موضحاً انه في لقاء أسامة الباز مع رابين قال الباز: إنه لا يمكن للفلسطينيين أن ينتظروا إلى ما لانهاية. فسأله رابين كم المدة التي تراها؟ فأجاب الباز: "ستة أسابيع، فقال رابين: نحن بحاجة إلى وقت اكثر لترتيب أوضاعنا الداخلية، واقترح رابين سيناريو للعمل خلال الأسابيع الستة القادمة عبر المراحل التالية: الأسبوع الأول يواصل الوفد المحادثات في واشنطن بدون تصعيد والأسبوع الثاني: نحن بحاجة إلى أسبوع أو عشرة أيام لمناقشة الوضع من جانبنا في إسرائيل. والأسبوعان التاليان لعرض الاتفاقية على الأمريكان بصيغتها النهاية، الأسبوعان الاخيران، يطرح الأمريكان الوثيقة في واشنطن كحل وسط، ويتم التفاوض لمدة أسبوعين.

الجولة الخامسة: (8 مايو/ أيار 1993).

كانت هذه الجولة وقفه لإعلان مبادئ علي ضوء المناقشات التي تمت في الجولات السابقة، وخلاصة للجولات الخمس الأولي تم وضع:

مبادئ لتفاهم إسرائيلي- فلسطيني:

إن المبادئ لتفاهم إسرائيلي – فلسطيني تتضمن الوثائق الثلاثة التالية هي: DOP (إعـلان المبـادئ) CWP (برنامج للتعـاون والعمـل والخطوط المواجهة لخطة مارشال).

أولاً: مسودة DOP (إعلان المبادئ):

ونستطيع أن نوجز ما جاء كما يلي:

1- هدف المفاوضات بين الجانبين هو التوصل إلى اتفاق لإقامة سلطة حكم ذاتي إنتقالية لفترة مرحلية تؤدي إلى تسوية دائمة على أساس قراري 242، 338.

2- تجري انتخابات سياسية عامة، حرة ومباشرة تحت إشراف دولي.

3- ستشكل الانتخابات لإقامة المجلس الانتقالي، خطوة تمهيدية إنتقالية باتجاه تحقيق الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني ومتطلباته العادلة.

4- ستغطى ولاية المجلس الانتقالية أرض الضفة الغربية وقطاع غزة مباشرة بعد التوقيع على إعلان المبادئ، ستبدأ المرحلة الانتقالية ذات السنوات الخمس، ستجرى مفاوضات الوضع النهائي في اقرب وقت ممكن بما لا يتعدى بداية السنة الثالثة من الفترة الانتقالية لتغطي جميع القضايا المتبقية، بما فيها القدس، اللاجئون، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، السيادة، الحدود، و أية قضايا أخري ذات اهتمام مشترك.

5- مباشرة بعد التوقيع علي إعلان المبادئ، سيبدأ نقل السلطة من الحكومة العسكرية الإسرائيلية، والإدارة المدنية الإسرائيلية إلى الفلسطينيين.

6- سيتم فوراً إنشاء لجنة أرض فلسطينية، ولجنة مياه فلسطينية.

7- سيقوم المجلس الانتقالي الفلسطيني بإنشاء قوة شرطة قوية.

8- سيتم إنشاء عدة مؤسسات فلسطينية من اجل النهوض بالاقتصاد.

9- سيخول المجلس الانتقالي بالتشريع.(1)

10- سيتم إنشاء لجنة ارتباط إسرائيلية – فلسطينية تتعاطى مع جميع قضايا الخلاف والاهتمام المشترك.

11- بعد التوقيع على إعلان المبادئ ستبدأ مفاوضات إسرائيلية - فلسطينية حول إعادة تموضع القوات العسكرية الإسرائيلية في الضفة الغربية وقطاه غزة.

12- سيتم إحداث لجنة تحكيم تحال إليها جميع القضايا الخلافية.

وسيوقع الراعيان كشهود على إعلان المبادئ والمساعدة في متابعة تنفيذه.

ثانياً: برنامج للتعاون والعمل الإسرائيلي - الفلسطيني(CWP).

سيترافق إعلان المبادئ الإسرائيلي – الفلسطيني مع برنامج للتعاون الإسرائيلي - الفلسطيني (CWP) متفق عليه ويتضمن برامج مشتركة لتطوير المياه، وتطوير الكهرباء، والطاقة، وبرنامج تطوير مالي وإقامة بنك فلسطيني وبرنامج لتطوير النقل والاتصالات، وإنشاء منطقة تجارة حرة، وبرنامج تنمية صناعية، وبرنامج لتنظيم العمل، وبرنامج لحماية البيئة وبرنامج وخطة أمنية متفق عليها.

ثالثاً: الخطة الموجهة لأعداد "خطة مارشال" للضفة الغربية وقطاع غزة والمنطقة:

وهذه الخطة ستلزم الدول السبعة الكبار، والدول الأخرى الأعضاء في المفاوضات متعددة الأطراف، والأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الأوربية بتحضير مبادرة خطة مارشال للضفة الغربية وقطاع غزة، كما سيقوم الفلسطينيون بجمع مساعدات إضافية هامة من الدول العربية، وتعتمد خطة مارشال على برنامج فلسطيني للتنمية الاقتصادية، وعلى برنامج تنمية اقتصادية إقليمية.

الجولة السادسة: (21 مايو/ أيار 1993).

التطور الإيجابي في هذه الجولة هو إضافة شخص ثالث إلى الوفد الإسرائيلي وهو "أوري سفير" مدير عام وزارة الخارجية الإسرائيلية.

واهم ما قاله أوري سفير هو: أن القيادة الإسرائيلية تتابع هذه القناة وحريصة علي سريتها، لم نكن نتصور أننا يمكن أن نبدأ بهذه السرعة دون وسيط وأبدى إعجابه بالمنهج الشمولي مع القضايا، وتجنب التركيز على القضايا المعنية.(2)

قام بعرض سياسة حكومة العمل الجديدة والتي تتلخص:

1- وقف 90% من النشاط الاستيطاني.

2- وقف الإعانات الحكومية بمئات الملايين من الدولارات للاستثمار في المستوطنات.

3- الإفراج عن بعض المعتقلين وإعادة بعض المبعدين.

4- رغبة الحكومة العمالية في حل القضية الفلسطينية، وعدم الرغبة في التحكم بمصير شعب آخر.

5- الديمقراطية في المنطقة بشكل عام ولدي الفلسطينيين بشكل خاص إحدى ضمانات إسرائيل الأمنية.

6- وتساءل حول قدرة المنظمة على تطبيق الاتفاق.(1)

وأبدى أنه لا حاجة لتدخل الأمريكان. واقتصرت هذه الجولة على ذلك التطور في إضافة عضو رسمي من الحكومة إلى وفد التفاوض الإسرائيلي.

الجولة السابعة: (13 يونيه/ حزيران 1993).

وحدث تطور آخر في هذه الجلسة إذ انضم شخص رابع هو "يونيل زينغر"، ولوحظ أنه مكلف من رابين شخصياً. وكان زينجر المستشار القانوني للوفد الإسرائيلي في فض الاشتباك الأول والثاني مع المصريين، وعمل مع فريق كامب ديفيد في طابا، ويعتبر إضافة نوعية للفريق الإسرائيلي وهذا يعني مشاركة فعالة لمركز صنع القرار الإسرائيلي، ودخوله معناه مرحلة جديدة في أوسلو وأن رابين قرر أن يدخل بثقله كله في هذا الاتفاق، وهذا التطور الجديد غير المنهج السابق، والعودة تقريباً إلى البداية ويقول "زينغر": "إن تقويم رابين للمشروع من حيث البناء جيد، والهيكل ممتاز، ولكن ألوانه غير واضحة تماماً. ولذلك فإن المفهوم للتطبيق غير واضح ويحتاج إلي تعديلات."

ويعتقد زنيغر أن التسريبات التي تظهر في الصحف يقف ورائها بعض المسئولين في الإدارة الأمريكية، والتي هُمشتْ جهودها، حيث مضى عامان في التفاوض في واشنطن دون نتائج.

وطرح "زنيغر" أربعين سؤلاً، وطلب الإجابة عليها. وكانت أسئلته من نوع:

- ما هو شكل الأشراف؟

- هل تبحث الملاحق الخاصة بالقدس والنازحين قبل الانتخابات أم بعدها؟

- لماذا يرد ذكر اللاجئين في الثنائي بينما هو في المتعددْ؟

- ما هو حدود ولاية الأمن الفلسطيني وحدود ولاية الأمن الإسرائيلي؟

- عند الوصول إلى اتفاق من سيوقع في واشنطن؟

- أين سيقيم المسئولون عن المجالات بعد نقلها يوم الإعلان؟

- هـل فـي القـدس أم أريحـا؟ إن ذلك سيخلـق مشكلـة كبيـرة إذا كـان جوابكم القدس.

- إذا لم نصل إلـى اتفاقـات واضحـة حـول كـل القضـايا، فقـد نلجـأ إلـى نصـوص اكثر غموضاً وقد حدث هذا مع مصر، فهل تقبولون أن نلجأ إلى الاتفاقيـات السرية أو تبـادل الـرسائل أو توجيـه الرسـائل إلـى طـرف ثالـث؟ أمريكيـا مثــلاً؟

أسئلة كثيرة تبحث في أركان الاتفاق وفي زواياه ومن أمامه ومن خلفه وحاول الوفد الفلسطيني تقييم الموقف ووصلوا إلى نتيجة واحدة أن المفاوضات وصلت إلى مرحلة حاسمة، وانتهت الجولة السابعة بأسئلة "زينغر".

الجولة الثامنة: (27يونيه/ حزيران 1993).

وتركز الحديث في هذه الجولة حول أهمية الإجراءات الرسمية للاتفاق على مشروع إعلان المبادئ، وقدم "زينغر" اقتراحا للاعتراف المتبادل بين م. ت. ف وإسرائيل، وقدم نقاطاً مقترحة للتفكير وهي:

1- منظمة التحرير تعترف بحق إسرائيل في الوجود وتلتزم بالتعايش السلمي معها.

2- منظمة التحرير تعترف بالقرارين 242، 338.

3- منظمة التحرير تنبذ الإرهاب والاعتداء علي الإسرائيليين.

4- منظمة التحرير تعلن توقفها التام عن ممارسة كل أشكال الإرهاب.

5- منظمة التحرير لا تدعم أية أطراف تقوم بأعمال إرهابية ولا تحرض على ذلك.

6- منظمة التحرير تعلن أنها تعتبر كل البنود الواردة في الميثاق والمتناقضة مع عملية السلام هذه، باطلة. وتدعو إلى وقف الانتفاضة.

7- وتدعو مصر ودولاً أخرى لوقف المقاطعة العربية لإسرائيل.(1)

ومنذ الجولة الثامنة بدأت التصريحات المتفائلة، وخاصة من قبل شمعون بيريز، وتصريحات متشائمة من قبل القيادة الفلسطينية للتغطية على المفاوضات السرية.

الجولة التاسعة: (6 يوليو/ تموز 1993).

تم في هذه الجولة نقاش النقاط المختلف عليها، وتقدم الوفد الإسرائيلي بمشروع جديد، يعتبر من حيث البناء أفضل من المشروع السابق ولكن فيه تراجع كبير في القضايا الجوهرية الأساسية.

وجرى حوار مطول حول مضمون الاتفاق المقترح من قبل الإسرائيليين وخاصة موضوع القدس حيث رفض الإسرائيليون مجرد ذكرها ورفضوا الإشارة إلى النازحين، وكذلك لا مجال لفكرة التحكيم وقد أعطيت للوفد الفلسطيني التعليمات بعد دراسة المشروع الإسرائيلي.

1- لابد من ذكر القرارين338،242 بوضوح وربط المرحلتين.

2- لابد من تحديد واضح لمواضيع المرحلة الانتقالية.

3- يشارك أهل القدس في الانتخابات.

4- حل الحكومة العسكرية إلى جانب الإدارة المدنية الإسرائيلية.

5- يحق لنا أن نشكل الشرطة من الداخل ومن الخارج.

6- اتفاق غزة أريحا جزء من إعلان المبادئ وليس اتفاقاً منفصلاً.

7- يسلم القطاع وأريحا لمنظمة التحرير عند الاعتراف المتبادل.(1)

الجولة العاشرة: (21يوليو/ تموز 1993).

لقد تبلور مشروع الاتفاق من أجل إعلان المبادئ كإطار مقبول من حيث المبدأ، لكنه يحتاج إلى تعديلات من وجهة النظر الفلسطينية.

في هذه الجلسة عرضت الملاحظات الفلسطينية على المشروع الإسرائيلي ولما استؤنفت الجلسة بعد الظهر بدا وكأن الإسرائيليين يشعرون بخيبة أمل شديدة لاعتقادهم أن الملاحظات الفلسطينية تنسف المشروع وأعلن "أورى سفير" أنه لا يمكن قبول ربط مؤسسات القدس بالمجلس المنتخب، ولا نقبل السيطرة على الممرات، وموضوع النازحين الذي هجروا عام 1967 يتم معالجة أمرهم في المرحلة النهائية وكذلك الحديث عن سلطة تنفيذية، وتشريعية، وقانونية غير مقبول في المرحلة الانتقالية، ولا نقبل بقوات أجنبية في غزة وأريحا، وكذلك ذكر الحقوق الوطنية مسألة تتعلق بالدولة هذا غير مقبول. ولقد طلبتم أريحا كرمز والآن تتحدثون عنها كمنطقة.

ورفعت الجلسة وهناك توتر شديد بين الطرفين.

وفي صباح اليوم التالي عرض أبو علاء أن كل طرف يعود إلى قيادته، وسنلتقي حسب الموعد المعروض وآمل أن نكون جاهزين لاعداد الوثيقة المشتركة النهائية.

الجولة الحادية عشرة: (25 يوليو/ تموز 1993).

صاحب هذه الجولة توتر شديد بين الطرفين و أصر كل طرف على موقفه، ووزع رئيس الوفد الفلسطيني مشروعاً جديداً، إلا أن الإسرائيليون رفضوا بعض بنوده.

وانتهت الجولة، وحمل كل طرف الموقف إلى قيادته.(1)

الجولة الثانية عشرة: (14 أغسطس/ آب 1993).

في هذه الجولة تم نقاش النقاط المختلف عليها، وتم التوصل إلى اتفاق حول بعضها، والذي لم يتم الاتفاق عليه حمله كل طرف إلى قيادته.

وكان وزير خارجية النرويج "يوهان هولست" قد زار تونس في 16 يوليو/ تموز1993، والتقي الرئيس ياسر عرفات، وأجرى معه حديثاً مطولاً حول المحادثات في أوسلو وسبل دفعها إلى الأمام.

وبعث الوزير النرويجي في 19 يوليو/ تموز 1993 برسالة إلى "شمعون بيريز" وانتظر حتى جاء الرد على رسالته، ثم بعث برسالة أخري في 21 يوليو/ تموز1993 واسهم هذا الجهد كثيراً في تقريب وجهات النظر بين الطرفين.

وبوصول "شمعون بيريز" إلى ستوكهولم في 17 أغسطس/ آب 1993 التقى وزير خارجية النرويج، واستقر الموقف على إجراء اتصال هاتفي مع القيادة في تونس. وبعد اكثر من عشر مكالمات هاتفية للحديث حول النقاط المختلف عليها، والتعديلات المطلوبة عليها تم الاتفاق على إزالة الخلافات، وتم الاتفاق كذلك على اللقاء في أوسلو يوم الخميس 19أغسطس/ آب 1993 ليتم التوقيع بالأحرف الأولى.(2)

الساعات الحاسمة:

سبع ساعات من الحوار عبر الهاتف، هكذا بدأت المفاوضات من أوسلو إلى تونس، ومن أوسلو إلى تل أبيب، حيث كان في تونس على الهاتف أبو عمار وأبو مازن، وياسر عبد ربه وأبو علاء وحسن عصفور. وكان على الخط الآخر في ستوكهولم شيمون بيريز ووزير خارجية النرويج. وفي تل أبيب إسحاق رابين.

وبدأ الحديث حول النقاط المختلف عليها والتعديلات المطلوبة ورأى كل طرف فيها. وأهم هذه النقاط:

أولاً: المادة الأولي من إعلان المبادئ:

كان الخلاف حولها يتعلق بتطبيق القرارين 338،242 حيث يري الإسرائيليون أنه ينص على أن ما يتفق عليه الطرفان هو تطبيق للقرارين، بينما يري الفلسطينيون ضرورة النص صراحة على تطبيق القرارين، وافق الجانب الإسرائيلي على النص الفلسطيني وأصبح نص المادة المعتمد هو:

"أن المفاوضات حول الوضع الدائم ستؤدي إلى تطبيق قراري مجلس الأمن 242،338".

ثانياً: الفقرة الثالثة من المادة الخامسة:

تتعلق هذه الفقرة بمواضيع المرحلة النهائية، وكان رأي الإسرائيليين عدم ذكر مواضيع هذه المرحلة وأن يكتفى بالإشارة إلى أن أي طرف يمكنه أن يذكر هذه المواضيع، بينما أصر الجانب الفلسطيني على تحديد هذه المواضيع دون لبس أو غموض. وتمت الاستجابة من الجانب الإسرائيلي وأصبحت الفقرة هي:

"من المفهوم أن هذه المفاوضات سوف تغطي القضايا المتبقية بما فيها القدس، اللاجئين، المستوطنات، الترتيبات الأمنية، الحدود، العلاقات والتعاون مع جيران آخرين ومسائل أخرى ذات اهتمام مشترك."(1)

ثالثاً: المادة السابعة، الفقرة الخامسة:

كان الجانب الإسرائيلي يصر على إلغاء الإدارة المدينة فقط والإبقاء على الحكومة العسكرية الإسرائيلية في الأراضي المحتلة، بحجة وجود المستوطنات.

وكان الجانب الفلسطيني يصر على ضرورة إلغاء الإدارة المدينة والحكومة العسكرية لأنه من غير الجائر أن تكون هناك حكومتان على أرضي الضفة الغربية وقطاع غزة، حكومة فلسطينية مؤقتة، وحكومته إسرائيلية.

وعبر الهاتف تم التوصل إلى الصيغة التالية:

"بعد تنصيب المجلس سيتم حل الإدارة المدينة وانسحاب الحكومة العسكرية الإسرائيلية."

رابعاً: المادة الرابعة من الملحق رقم (2) الخاص بغزة وأريحا:

كان الحديث عن الانسحاب من غزة وأريحا، ينصرف فوراً إلى الحديث عن المعابر المؤدية إليهما سواء من مصر أو من الأردن وكان الإسرائيليون يرفضون مجرد الإشارة إليها، لأنهم يعتبرونها جزءاً من الأمن الخارجي الذي سيبقي بأيديهم خلال المرحلة الانتقالية، وتم التوصل إلى صيغة تقول: "الاتفاق أعلاه سيضمن ترتيبات من أجل التنسيق بين الطرفين فيما يتعلق بمعابر مصر – غزة، وأريحا الأردن.

ولعل هذه الأمور كانت الأبرز في الخلافات، ولقد تم كذلك تسوية المادة الخامسة من الملحق رقم2، وأن السلطة مسئولة عن كل المكاتب في الضفة الغربية وقطاع غزة التي تنتقل إليها السلطة.

وتم تثبيت الوجـود الدولـي المـؤقت والمتفـق عليـه وكان الإسرائيليـون يـرفضونه.

وعلى العموم تم الاتفاق على الالتقاء في أوسلو للتوقيع على الاتفاق بالأحرف الأولي، وقبل أن يتم ذلك تم الطلب إلى المستشار القانوني طاهر شاش الذي رافق الوفد الفلسطيني في واشنطن أن يتوجه إلى أوسلو فوراً، وذلك من اجل مراجعة النصوص قبل التوقيع عليها.

وقد وصل طاهر شاش إلى أوسلو في 19 أغسطس/ آب 1993، ووصل وكان الوفد الفلسطيني المفاوض قد وصل من تونس يوم 18 أغسطس/ آب 1993 وذلك من اجل التوقيع علي الاتفاق بالأحرف الأولى.

وفي تمام الساعة الواحدة والنصف من صباح يوم 20 أغسطس/ آب 1993 تم التوقيع على الاتفاق في جلسة ختامية شهدت حواراً مطولاً وبإلحاح شديد من قبل "زينغر" مع أبو علاء يسأله عن امكانيه وقف الانتفاضة، وكان أبو علاء يجيب دائماً بعدم إمكانية ذلك.(1)

وقام بالتوقيع نيابة عن منظمة التحرير الفلسطينية أبو علاء (أحمد قريع) وعن حكومة إسرائيل شيمون بيريز، وبحضور وزير الخارجية النرويجي وأعضاء الوفدين.

وتم الإعلان من قبل النرويج وإسرائيل ومنظمة التحرير الفلسطينية أن النرويج استضافت 12 جولة من مباحثات السلام السرية عام 1993.(2)

رسائل الاعتراف المتبادلة:

بدأت منظمة التحرير الفلسطينية وإسرائيل تتفاوضان في موضوع الاعتراف المتبادل. وبعد عشرة أيام اتفق الجانبان على رسائل الاعتراف الثلاث وهي:

الرسالة الأولي: (9 سبتمبر/ أيلول 1993):

وهي موجهة من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية ياسر عرفات إلى رئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين. ويخاطب فيها ياسر عرفات اسحق رابين مؤكداً: أن توقيع إعلان المبادئ ينبئ بعهد جديد في الشرق الأوسط وأن منظمة التحرير الفلسطينية تعترف بحق دولة إسرائيل في العيش في سلام وأمن. وتوافق المنظمة على رقم242، 338، والالتزام بعملية السلام في الشرق الأوسط وفي إيجاد حل سلمى ينهي النزاع والتخلي عن الإرهاب وعن أي عمل من أعمال العنف.

يؤكـد كذلك أن مواد ونقاط الميثاق الفلسطيني التي تنكر حق إسرائيل في الوجود والتي تتعـارض مع التعهدات الواردة في هذه الرسالة أصبحت عديمة الأثر وغير سارية المفعول، وستعـرض علــى المجلـس الوطنـي لإجــراء التغــيرات الضــرورية.(1)

الرسالة الثانية:(9 سبتمبر/ أيلول 1993):

وهذه الرسالة موجهة من رئيس منظمة التحرير الفلسطينية إلى وزير خارجية النرويج "جوهان جورغن هولست" ويؤكد فيها الرئيس عرفات أن تصريحاته العلنية ستضمن المواقف التالية عند توقيع إعـلان المبادئ "على ضوء العهد الجديد... فإن منظمة التحرير الفلسطينية، تشجيع الشعب الفلسطـيني فـي الضفـة الغـربية وقطاع غزة وتدعوه إلى المشاركة في التدابير التي تؤدي إلى التطبيع، ورفض العنـف والإرهاب، والإسهام في تحقيق السلام والاستقرار والمشاركة الإيجابية في التعمير والتنميـة الاقتصـادية والتعـاون."(2)

الرسالة الثالثة:

وهي من رئيس الوزراء الإسرائيلي "اسحق رابين" موجهة إلى رئيس منظمة التحرير الفلسطينية. وتقول: "رداً على رسالتكم المؤرخة 9 سبتمبر/ أيلول 1993 أود أن أعلن لكم على ضوء تعهدات منظمة التحرير الفلسطينية الواردة في هذه الرسالة، فقد قررت الحكومة الإسرائيلية الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية بصفتها الممثل للشعب الفلسطيني، وبدء مفـاوضات مـع منظمـة التحـرير الفلسطينية في إطار مسيرة السلام في الشرق الأوسط."(3)

وفي حديقة البيت الأبيض من يوم 13 سبتمبر/ أيلول 1993 وبحضور اكثر من ثلاثة آلاف شخصية مدعوة، وقع محمود عباس "أبو مازن" و"شمعون بيريز"، وبحضور الرئيس ياسر عرفات، ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحق رابين، وبرعاية الرئيس الأمريكي بيل كلنتون إعلان المبادئ بشأن الحكم الذاتي الفلسطيني في الضفة الغربية وقطـــاع غزة.(4)

ياسر عرفات يعود إلى الوطن:

تم توقيع اتفاقية المعابر بين غزة ومصر، وأريحا والأردن في اليوم 9 فبراير/ شباط 1994.

وتم كذلك في يوم 4 مايو/ أيار 1994 التوقيع على الاتفاقية النهائية حول الحكم الذاتي، وهي اتفاقية غزة – أريحا من قبل "اسحق رابين" وياسر عرفات وبحضور الرئيس المصري ووزير خارجية الولايات المتحدة وروسيا، وهو ما يطلق على هذه الاتفاقية بـ "اتفاقية القاهرة"، وسيرد ذكرها وغيرها من الاتفاقيات تفصيلياً.(1)

وعلى إثر هذا الاتفاق الذي وقع بالقاهرة، دخلت أول مجموعة من الشرطة الفلسطينية غزة يوم 10 مايو/ أيار 1994، وفي يوم 13 مايو/ أيار 1994 انسحب الجيش الإسرائيلي من القطاع، كما انسحب من مدينة أريحا كذلك.

وفي 1 يوليو/ تموز 1994 عاد الرئيس ياسر عرفات إلى غزة عبر معبر رفح، وكان في استقباله أكثر من ربع مليون من أهالي القطاع.(2)

بهذه العودة بدأت مرحلة جديدة، ليتم البناء ولتستمر المفاوضات. ويقول: "هيرشفيلد" أحد الذين أداروا المفاوضات السرية عن الجانب الإسرائيلي في أوسلو: "مع توقيع الاتفاق، ندشن نحن والفلسطينيين عصراً جديداً، فللمرة الأولى نبنى معاً مستقبلاً قائماً على مفاوضات مكثفة... إنني مؤمن بأننا بدأنا مساراً لا عودة عنه."(3)

ويقول "رون فونداك" والذي شارك في المحادثات السرية في أوسلو: "إن هدفي هو تغيير طابع العلاقات بين إسرائيل والفلسطينيين من العداء إلى التعاون، من الإرهاب إلى البناء."(4) ويوضح "فونداك" كيف مرت المباحثات مع منظمة التحرير الفلسطينية في أوسلو بثلاث مراحل، حيث المرحلة الأولى تركز عمل الوفد الفلسطيني على الاستماع والاستيضاح ما إذا كانت منظمة التحرير الفلسطينية مستعدة للتوصل إلى تسوية مقبولة من صانع القرار الإسرائيلي وتعتمد هذه المرحلة على إمكانية التوصل إلى تسوية بالتدريج في الطريق إلى تسـوية واسعة وتطبيق فكرة غزة أولا، وبناء شبكة من التعاون الواسع في مختلف المجالات.

وفي المرحلة الثانية عندما انضم أشخاص آخرون إليها، وأجريت عملية فحص أخرى لمختلف الاقتراحات. وفي المرحلة الثالثة تمت المفاوضات المباشرة بتوجيه وتعليمات مباشرة من رئيس الحكومة "اسحق رابين" ووزير خارجيته "شيمون بيريز".(1)

د. عمر محمود شلايل

سفير دولة فلسطين بالسودان
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف