الأخبار
حماس: ذاهبون إلى القاهرة بروح إيجابية للتوصل إلى اتفاقإعلام إسرائيلي: جيشنا انهار في 7 أكتوبر رغم تدريباته لمنع هجوم مماثلكم تبلغ تكلفة إعادة إعمار قطاع غزة؟تركيا تُوقف جميع التعاملات التجارية مع إسرائيلغزة: عطاء فلسطين تنفذ سلسلة مشاريع إغاثية طارئة للمتضررين من العدوانحمدان: إذا أقدم الاحتلال على عملية رفح فسنُوقف التفاوض.. والاتصال مع الضيف والسنوار متواصلأكثر من ألف معتقل في احتجاجات الجامعات الأميركية ضدّ الحرب على غزةرئيس كولومبيا يُعلن قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيلبلينكن: نريد الآن هدنة بغزة.. وعلى حماس أن تقبل العرض الجيد جداًتركيا تقرر الانضمام لدعوى الإبادة الجماعية ضد إسرائيلالكشف عن نص العرض المقدم للتوصل لهدوء مستدام في قطاع غزةنتنياهو: قواتنا ستدخل رفح بصفقة أو بدونهاوفد حماس يغادر القاهرة للعودة برد مكتوب على المقترح الجديد لوقف إطلاق الناربلينكن: أمام حماس مقترح سخي جداً وآمل أن تتخذ القرار الصحيح سريعاًتضامناً مع فلسطين.. احتجاجات الجامعات الأميركية تتسع وسط مخاوف إلغاء مراسم التخرج
2024/5/5
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

القصة القصيرة جداً : حوار مع حسين المناصرة

تاريخ النشر : 2005-06-16
القصة القصيرة جداً : حوار مع حسين المناصرة
القصة القصيرة جدا: حوار مع حسين المناصرة

حوار هيام المفلح ( قاصة وإعلامية سعودية)

( 1 )

ما الذي يعنيه لك مصطلح "قصيرة جدا" ؟

يحدد مصطلح "قصيرة جدا " جماليات جنس أدبي سردي هو " القصة القصيرة جدا " في مواجهة الجماليات السردية الأخرى التي من ببينها على وجه التحديد : الرواية، والقصة، والقصة القصيرة ، فتقع بنية القصة القصيرة جدا – ضمن هذا التحديد- في المستوى الرابع من جهة نوعية الحجم التنازلية من الأوسع إلى الأضيق ؛ وبذلك تغدو القصة القصيرة جدا أصغر حجم يمكن تصوره في مجال سياق القص بمفهومه العام داخل دائرة السرد المتعددة الأجناس ، والتي تضم إلى جانب القص ، السيرة الذاتية ، والحكاية ، والمسرحية .. الخ .

في ضوء ما سبق يعني لنا تحديد هذا المصطلح أن نفرض جماليات خاصة تعنى بهذا النوع من السرد ، ربما من أبرزها: تحقيق درجة عالية من التكثيف اللغوي والاختزال في المضامين ، بحيث تكون القصة القصيرة جداً في حدود مئة كلمة ؛ و تحقيق درجة عالية من الشعرية في اللغة والدلالات عن طريق تشكيل الإيقاع اللغوي الحاد في موسيقاه الخارجية والداخلية؛ وتحقيق درجة عالية من الكسر والتجاوز لتقليدية الزمكانية والحدث والشخصية و اللغة التقريرية المباشرة .. ؛ وتحقيق درجة عالية من الانفتاح على مفهوم التجريب في سياق ما يعرف بجماليات الحداثة الأدبية ؛ وتحقيق درجة عالية من الانفتاح - إلى حدود الحيرة - في تجنيس هذا النوع من القص ، لأنه يتكئ على تداخل الأجناس الأدبية وغير الأدبية مما يشكل مفهوم "النص المفتوح " في حقل حساسية الكتابة الجديدة .

على هذا النحو تبدو جماليات القصة القصيرة جداً جزءاً حميماً من تعريف هذا المصطلح الذي يعني كما أسلفت استحضار جماليات خاصة بجانب تحقق الجماليات العامة التي تتصف بها السرديات على وجه العموم .

(2)

هل تفضل تسمية "القصة القصيرة جدا " على"القصة الصغيرة" أو "الأقصوصة " ؟

أعتقد أن مصطلحي" القصة الصغيرة " و" الأقصوصة" ،غير صالحين الآن على أية حال في الدلالة على مفهوم القصة القصيرة جداً، بصفته مصطلحاً شائعاً إلى حد ما ، وذلك لسببين : الأول : أن مصطلح القصة القصيرة جداً يكاد يكون مصطلحاً محورياً مستقراً في تجنيس هذا الشكل من الكتابة، ومن هنا يصبح الترادف في المصطلحات عبئا قد يسبب الإرباك والبلبلة، كما هو الحال في " قصيدة النثر" و "الشعر المنثور" و "النثر الشعري" و "النثيرة" … والثاني يخص دلالات المصطلحين المذكورين ، حيث يمكن أن تكون الأقصوصة دالة على قصة مكتوبة في صفحتين مثلا ، وهذه الدلالة لا تصلح بكل تأكيد في مجال القصة القصيرة جداً ، لأن مصطلح الأقصوصة قد يرادف في بعض الأحيان مصطلح " القصة القصيرة " . وكذلك يعد مصطلح "القصة الصغيرة " مصطلحا عير دال في الإبداع ، وإن كان من الممكن أن يكون دالاً في مجال قصة الأطفال مثلاً، لأن المعنى العام للصغير يكاد ينحصر في العمر لا في المساحة أو الحجم.

ومادام المصطلح قد استقر نسبياً في الإبداع والنقد ، فإنه يصعب علينا أن نفضل عليه مصطلحا آخر ، لم يحقق وجوده الفعلي على مستوى الشيوع والتكرار في الاستخدام ، من هنا اقترح على من يستخدم أحيانا هذين المصطلحين الغريبين إلى حد ما عن حيز القصة القصيرة جداً بمفهومها الواضع ، أن يفكر ملياً ويتراجع عن إطلاق التسميات الجزافية ، سواء أكانت التسمية عن طريق هذين المصطلحين أم عن طريق غيرهما ، إذ هناك عشرة مصطلحات أخرى – على الأقل - سميت بها القصة القصيرة جدا !!

(3)

ما العلاقة بين القصة القصيرة جدا والقصيدة الومضة واللقطة السينمائية ؟



تبدأ العلاقة الحميمة بين هذه الأجناس الثلاثة انطلاقا من كونها إنتاج الثمانينيات والتسعينيات من القرن العشرين على وجه التحديد ، ففي هذه الفترة الزمنية مالت الفنون الأدبية والتصويرية إلى الاقتصاد كثيراً في تكويناتها الجسدية ، فتواصل بعض المبدعين مع الحالة الإبداعية الجديدة التي تتشكل من خلال إيقاع " الدفقة "؛ سواء أكانت هذه الدفقة شعرية أم نثرية أم تصويرية .. الخ . من هنا نجد التداخلات الجمالية والرؤيوية كبيرة بين هذه النصوص ، التي قد تغدو بدورها نصاً شاملاً ، يصلح أن ينظر إليه على أساس أنه قصة قصيرة جداً من زاوية ، وقصيدة نثرية ومضية من زاوية أخرى ، ولقطة سينمائية من زاوية ثالثة .. ولايعني هذا التوصيف أن تكون حدود هذه النصوص ضيقة فعليا،فهي إن كانت ضيقة من جهة الحجم ، فإنه يفترض بها أن تكون من خلال لغتها منتمية إلى " جوامع الكلم " التي ألفاظها محدودة ، و معانيها ودلالاتها متشعبة وعميقة .

وبكل تأكيد فإننا حين التأمل في هذه الظاهرة النصية الجديدة ، سنجد الحالة الجمالية للنص القصير جداً - مهما تكن ملامح شكله - منسجمة إلى حد كبير جداً مع المقولة البلاغية العربية المشهورة : "خير الكلام ما قل ودل" ، وبذلك "تتكرس" من الناحية الجمالية العلاقة بين الأثافي الثلاث ( القصة القصيرة ، والقصيدة الومضة ، واللقطة السينمائية ) في كونها تشترك معا في تحقيق هذه المقولة الجمالية قديما وحديثا . يضاف إلى ذلك أن عناصر اللغة التصويرية المكثفة ، والإيقاع المتوتر السريع ، و الصدمة الإبداعية العالية ، والرؤية العميقة المفعّلة جمالياً عن طريق الإيحاء والرمز والغموض ، وصفة الانفتاح على الأجناس الأدبية المختلفة.. كلها عناصر جمالية مشتركة تدفع باتجاه تكوين العلاقة الحميمة بين هذه الأجناس الثلاثة ، فلا نعود من منظور إيجابي قادرين على أن نميز كثيراً بين القصة القصيرة جدا والقصيدة الومضة، أو بينهما وبين اللقطة السبنمائية التي ارتفعت درجة حساسيتها في النصوص العربية التجريبية الجديدة، وذلك انطلاقا من كونها تشترك في جماليات انضوائها تحت مفهوم " النص المفتوح" .

( 4 )

هل القصة القصيرة جدا نص مكتمل ؛ أم هي مشروع نص قصصي ؟

يبدو أننا نبالغ إذا تحدثنا عن القصة القصيرة جداً بصفتها نصاً مكتملاً في الوقت الراهن ، فالنص المكتمل – عموما – سواء أكان نصا إبداعيا أم نقديا هو نص أسطورة أو خرافة،فالكتابة الجديدة مهما كان شكلها ، على وجه العموم، هي كتابة تفترض نفسها غير مكتملة ، لأنها كتابة تجريبية تسعى إلى عدم التشكل في معايير جمالية ثابتة، وهذه الحالة ستعني إلى حد ما – من وجهة نظري - أن الكتابة الجديدة ستبقى في حدود مشروع النص، أو بالأحرى هي نص التجريب في الحساسية غير المكتلة أو فيما سمي "الكتابة عبر النوعية " ، وهنا نتصور جماليات هذه الكتابة تبحث دوما في أسلوب من أساليب التمرد على تشكلها في ذاتها بوصفها نصوصاً نزقة لا تخضع للمعايير الجمالية النقدية المألوفة ، أي أننا ما زلنا نتكهن تجريبياً بالجماليات التي تخص القصة القصيرة جداً ، وقد ينطبق هذا على القصة القصيرة عموما ؛ لأنها فن وسطي، ظلم بوقوعه بين عملاقي الإبداع الشعر والرواية ؛ لذلك ما زال هذا الفن يستعير جمالياته من هنا أوهناك ، ففيه قدر من جماليات الرواية ديوان العرب في القرن العشرين ، وفيه قدر آخر من جماليات الشعر ديوان العرب قديما وحديثا ..

في هذا السياق لا نعيب القصة القصيرة جدا إذا قلنا عنها: " إنها مشروع نص قصصي" ؛ إذ يعني هذا الوصف التشبث بكسر المستقر أو الثابت في المعيارية الجمالية للإبداع التقليدي، وعلى وجه التحديد في معياريات جماليات السرد التقليدي ، ولأنها ( القصة القصيرة جدا) مشروع نص تجريبي ، له حساسية جمالية خاصة، وشروط تاريخية خاصة ، فإن جمالياته الحقيقية تبقى عصية على التنميط الذي يحد من انفتاحها على الإبداع والحياة ، والاستعارة منهما ما تراه مناسبا لكينونتها التي تتسم بسمات النص الإشكالي الجديد الذي يفرض جمالياته من ذاته،لا من المحاكاة لآراء نقدية أو لجماليات معيارية معينة ؛ نتوقع أن يوصف بها النص المكتمل، فيما لو تحقق وجوده !!

(5)



هل القصة القصيرة جدا تعبر عن مرحلة متطورة،أم هي استجابة لسرعة العصر؟

هي تعبير عن مرحلة متطورة ، وفي الوقت نفسه استجابة لسرعة العصر !!

كل الفنون الأدبية مالت بعد السبعينيات من القرن الماضي إلى الكتابة القصيرة جداً ، في الشعر ، والرواية، والقصة القصيرة ، والمسرحية، والمقالة ، والنقد .. وهذا الميل غدا جزءاً من ظاهرة الانفتاح الثقافي ، أو من العولمة الثقافية بمفهومها التكنولوجي، أو من انتشار الوعي والثقافة بين جمهور الناس، لذلك شعر المبدع بأنه أحد مسارب الوعي والثقافة ، وأنه يجب أن يكون مختلفا في مواجهة ذاته والآخر بوصفهما إنساناً جديداً مختلفاً عن الإنسان القديم ..

إن المبدع الجديد في مواجهة إنسان حديث ندعي أنه ذكي بفعل عوامل ثقافية كثيرة ، مارس التركيز في الكتابة بصفتها ترتكز على الإيماء ، والغموض ، والحذف ، والاختزال ، وترك المهم من أجل الأهم .. وأن يترك ما وراء السطور للمتلقي كي يكتشف ما يكتشف .. وعلى هذا الأساس مال الإبداع عموما إلى النوعية المكثفة ، وابتعد عن التسجيلية التاريخية المسطحة .. من هنا نستطيع أن نصف القصة القصيرة جداً بكونها تعبر عن مرحلة متطورة أو مرحلة جديدة في الإبداع وفي تفاعلات المشهد الثقافي عموما ، فغدا الإبداع لا يحتمل جماليات: التفصيل، والاستطراد ،والحشو، والفضفضة .. إنه إبداع يتصف بملامح " خير الكلام ما قل ودل " ، كما أسلفت.

ولا يعيب القصة القصيرة جداً في الوقت نفسه أن تكون ابنة زمنها وعصرها ، وأن تستجيب لسرعة العصر ، وأن تتخلص من المادة الطويلة التي لم تعد تجذب القراء، حيث المادة القصيرة جداً هي التي يفترض أن تشد القراء إلى أعماقها ، نحن الآن في زمن يقول لنا: "ما تكتبه في مئة صفحة اكتبه في عشر صفحات ، وما تكتبه في عشر صفحات اكتبه في صفحة واحدة ، وما تكتبه في صفحة اكتبه في ثلاثة اسطر ..".

لم يعد الأدب وهو الآن في مرحلة التقهقر على وجه العموم في مواجهة الفضائيات والإنترنت يمثل ثقافة ديوان العرب ، لذلك لا يحتاج المتلقي إلى الأحجام الأدبية ، من هنا قد نتوقع أن تصير القصة القصيرة جداً خلال القرن الواحد والعشرين ديوان العرب الجديد .

(6)

في رأيك: ما مفهوم الاختزال / التكثيف ؟

مفهوم الاختزال أو التكثيف مفهوم متشعب إذا أخذنا بعين الاعتبار جماليات البلاغة العربية في تكوين الجمل السردية من منظور الابتعاد عن التقريرية والمباشرة لصالح الصورة الفنية، أو من منظور إيجازي القصر والحذف ، بوصفهما يؤكدان على الاقتصاد في التعبير عن المعاني على طريقة جوامع الكلم ، أو من منظور أن تكون الألفاظ على قدر المعاني على طريقة " خير الكلام ما قلّ ودل" .. أما إذا أخذنا بعين الاعتبار جماليات السرد فإن القصة القصيرة جداً لا تخرج عموما عن توظيف بعض عناصر البنية السردية المتمثلة في اللغة والشخصية والزمكانية والحدث والحبكة والعرض .. بحيث يكون هذا التوظيف في حدود الحاجة الضرورية الموائمة لسياق الاختزال والتكثيف ، بصفة هذه الإشكالية الجمالية المكثفة أبرز سمات القصة القصيرة جدا التي ترتقي في لغتها إلى مستوى الشعر الجيد .



(7)

هناك من يعتبر الاقتصاد إرهاقا لبعض مكونات القصة،ما وجهة نظرك في هذا ؟

من الناحية المبدئية يمكن أن نعد ترادفات الاختزال / التكثيف / الاقتصاد - بعد أن وضحنا مفهومها - سلاحا ذا حدين : حده الأول إيجابي في حال أن يكون التكثيف عنصرا جماليا يتطلبه الموقف القصصي ، وهنا يغدو غير التكثيف عبئا وركاكة في البنية السردية ، وعلى هذا الأساس يفترض أن تكون القصة القصيرة جدا إحالة سريعة إلى جزئيات سردية ، بمعنى أن تكون القصة القصيرة جداً تعبيراً عن حالة نفسية أو واقعية أو خيالية قصيرة جداً أو مكثفة جداً ، ومن غير المعقول أن يكون موضوع القصة القصيرة جداً فضفاضا إلى حد أن يصلح موضوعا لقصة قصيرة أو موضوعا لرواية. وإن تحوّل إلى ذلك يغدو سلبيا ، ومن هذه الحالة السلبية ينطلق الحد الثاني السلبي أيضا ، والذي يخص عجز المساحة اللغوية القصيرة جداً عن التعبير عن موقف قصصي يبدو أنه غير صالح في تشكيل بنية القصة القصيرة جداً، وفي حال الإصرار على كتابة القصة القصيرة في ضوء هذا التشوه نجدها في هذه الحالة قصة مبتورة، أو هي جسد بلا رأس وأطراف ! وهنا أيضا ، وبكل تأكيد، يعد الاقتصاد في اللغة إرهاقاً لمكونات القصة القصيرة جداً التي يظلمها كاتبها في عدم قدرته على فهم قدراتها الجمالية المحدودة نسبياً في الكم لا النوع .


(8)


لماذا تكتب القصة القصيرة جدا ؟

أرى أن المبدع الجيد لا يختار الشكل الفني لتجربته الإبداعية، لأن الشكل الفني هو الذي يفرض ذاته على مبدعيه . من هنا تبدو القصة القصيرة جدا ابنة التجربة الإبداعية التي تستدعيها ، فهي شكل يتدفق بالحيويتين السردية والشعرية ، ولعل أبرز ملامح هذا التدفق أنها تتشكل من خلال دفقة مكثفة تعبر عن لحظة شعورية أو واقعية أو متخيلة .. وبإمكان القاص في زمن واحد أن يكتب عدة قصص قصيرة جداً في جلسة واحدة عندما يشعر أنه محكوم بعدة تجارب توهّجه أو تعذبه ، قد يكون بين هذه القصص في النهاية وحدة موضوعية أو وحدة شعورية تجعل منها نصوصا " برقية " منفتحة على رؤى أو دلالات عميقة .

وعلى أية حال فإن معظم كتاب القصة القصيرة تطوروا إلى حد ما في تجربتهم الإبداعية ، فكتبوا القصة القصيرة جداً ، لأنهم شعروا بمسئوليتهم الحقيقية عن نشأة القصة القصيرة جدا وتطورها ، بل إنهم غدوا يتحملون مسئولية التنظير لجمالياتها من خلال نصوصهم ، ومن خلال تطبيق بعض رؤاهم وتنظيراتهم على نصوص الآخرين .

(9 )

ما دور الناقد في تأطير هذا النوع من القص ؟

مازالت الدراسات النقدية محدودة جداً في مجال القصة القصيرة جدا ، وهذا يعود إلى حداثة نشأة هذا الجنس الأدبي ، بحيث لا يتجاوز عمرها الفعلي خمسة عشر عاما ، ابتداء من منتصف الثمانينيات. لذلك يقع العبء على عاتق النقاد وتحديداً على عاتق القاصين النقاد الذين يتوجب عليهم أن يضعوا من الناحية التنظيرية الجماليات المنتظر تحقيقها في القصة القصيرة جدا ، وأن يدرسوا من الناحية التطبيقية ما أنتج من مجموعات وما تناثر من قصص قصيرة جدا في الصحف المختلفة ، بحيث تؤكد هذه الدراسات التطبيقية على أن القصة القصيرة جدا ليست فناً مجانياً ، يمكن أن يمارسه أي كاتب متسلق، فتصبح القصة القصيرة جدا مجرد خواطر وعبارات متناثرة لا تسمن ولا تغني عن جوع ، وفي هذا العمل يمكن أن تنفى نصوص كثيرة ، وتخرج من دائرة القصة القصيرة جداً ، كما يجدر أن يحذر من نزعة تحول القصة القصيرة جدا إلى مجرد قصائد نثرية مشوهة !! طبعا ليس من حقنا أن نصادر مشروعية أية كتابة يكتبها أي إنسان مهما كانت درجة كتابته ، لكن من حقنا أن نعلي من شأن الكتابة الجيدة، و"نحضحض" من شأن الكتابة المتواضعة فنيا .

(10)

وما دور القارئ / المتلقي حيال مثل هذا النص ؟

لم يستوعب المتلقي بعد هذا النوع من السرد ، إذ يعتقد في داخله أنه جنس أدبي أو كتابه لا تنتمي إلى عالم الحكاية أو القصة التي تربى عليها ، فهو لا يقتنع – مثلا - أن تكون القصة في حدود سطر ونصف أو خمسة أسطر أو عشرة أسطر .. ومن هذا المنطلق نعد هذا الدور من المتلقي دوراً سلبياً ، فالعبرة في زمننا لم تعد بالحجم ، بل إن الكتابة في مجملها لا يتحسن وضعها من خلال حجمها ؛ لذلك لا بد أن يستوعب المتلقي جماليات القصة القصيرة جداً، فيؤكد من خلال ذائقته المتطورة أن الكتابة الجديدة على وجه العموم تميل إلى هذا الاختزال أو التكثيف ، وأن شيوع بعض النماذج القصصية السلبية في هذا المجال واستسها كتابة هذا النوع من السرد ، لا يعني أن العيب في القصة القصيرة جداً؛ لأنها على الرغم من حجمها القصير جداً فهي تبقى قصة ليس بإمكانها أن تكون متقنة نسبياً إلا من خلال مبدع له دور فاعل في كتابة القصة الطويلة والقصيرة على وجه العموم .
 
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف