الأخبار
2024/5/17
جميع الأراء المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن رأي دنيا الوطن

حضور الأمكنة في تشكيل حسني رضوان

تاريخ النشر : 2004-10-07
حضور الأمكنة

(رحلة في فضاء التجربة الفنية للفنان الفلسطيني حسني رضوان)

حاوره في رام الله : تيسير مشارقة


الألوان مادة مدروسة لدى الفنان حسني رضوان ، وقد حاول في معظم أعماله منح اللون طاقته القصوى تماما كما فعل في رسم أبنية مدينة رام الله الفلسطينية التاريخية ، ويلاحظ ذلك في معرضه الذي افتتح في مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله يوم 17/12/2003 تحت عنوان " قصائد من حجر"، ونجد الطاقة المتوهجة والأبدية في ألوان شبابيك وجدران وأبواب وقباب أبنية رام الله ، وقد كتب في كتالوج المعرض " استطعت أن أبحث في مسافة أخرى، مسافة ليس للفكر فيها فضاء ، وإنما اللعب والمتعة في العبث بالألوان المائية ، لمشاهد تكاد تكون تاريخاً مليء بالروايات وإمكانية البقاء" .ويضيف " اتخذت من تلك البيوت الفضاءات التي تجسد معنى رام الله، ربما لأنني أحسست بأنها قصائد من حجر باقية على قوافي الزمن".

عام 1955 ولد الفنان الفلسطيني حسني رضوان في حي وسط بغداد .هناك حيث عبق التفاصيل وفسيفساء المكان، حيث الشبابيك والمشربيات والبيوت المهدمة والتي عاشها الفنان وأحسّها صغيرا، هناك ولدت تجربته الفنية وظل على ألفة مع المكان وعلى علاقة حميمة به. المكان المتداعي بهيكليته وألوانه الترابية ارتسم في ذاكرته وحفر عميقاً.

تعلق الفنان حسني رضوان بالياجور (الآجر) العراقي، ولعبت التفاصيل دورها في تجربته في إيجاد القريحة التي خدمته في مسيرته على مدار 25 سنه من الإنتاج الفني المتواصل. وكان الأكريليك مع التراب والرمل والخشب والورق وأشياء محسوسة وليست منظورة يشكل أخاديد في أعماله الكثيرة. فالأكريلك والألوان المائية "أكثر شفافية من الألوان الزيتية " كما يقول.

ويعترف الفنان الفلسطيني حسني رضوان بأن الفن العراقي والأجواء الفنية التي خلقها الفنان العراقي قد أثرت في تجربته بغض النظر عن الأساليب .ويقول: "باستثناء جواد سليم ، فقد كان غير تقليدي ومبدع، واستخدم التفاصيل المحلية بأسلوب فني مدروس،استطاع من خلاله تجسيد المحليات بتكنيك عال،وكانت هناك إبداعية في استخدامه للشخوص والألوان المحلية. لقد درس جواد سليم في بريطانيا ، والنحت الأوروبي لم يؤثر في أعماله بقدر ما أثرت المشاهد المحلية الوطنية العراقية فيها..".

ويضيف عن تجربة جواد سليم:" استخدم جواد سليم أدوات أوروبية طوّعها، وتأثر بالأعمال النحتية القديمة في العراق.قدم لنا كيفية التعامل مع المحلي بالفلسفة والرؤية غير المبتذلة. لقد أثر فينا جواد سليم ، الفنان المتشرب بالتجربة الأوربية، ولكنه خلق أجواء جديدة في الفن".

ويعتقد الفنان رضوان أن فكرة الفن مصدرها حضارات الشرق ، بينما حاضرها هو أوروبي غربي. ويقول:"استخدمنا الأدوات الأوروبية والرؤية الأوروبية في أساليب الإبداع في التجارب الوطنية. الأسئلة الأوروبية في العديد من المدارس خلقت أبجديات لدينا"

في حي "تحت التكية" في بغداد حيث الدروب الضيقة والبيوت بغدادية الطراز ، عاش الفنان حسني رضوان 14 عاماً. عندما بدأت البيوت تؤول للسقوط رحل سكانها على مدار الستينات من القرن العشرين،ومن بينها عائلة رضوان، إلى مكان آخر في العراق.

في ذلك الحي القديم بدأت تنمو بذرة الفن في داخل الفنان حسني رضوان، فهناك جمالية عالية في طريقة البناء بالإضافة إلى الزخارف والتفاصيل الشعبية الغنية والأزياء التي لعبت دورها في إنضاج التجربة. واستفاد الفنان رضوان من فكرة صناعة الأطر الايقونية التي كانت تدفعه إلى الخشوع. ويقول" طريقة الصناعة كانت تشدّني أكثر من الأعمال الفنية نفسها".

ويرى المتلقي لأعمال حسني رضوان الأولى أنها زاخرة بألوان الجدران والشبابيك وجدران الصفيح وطريقة البناء والألوان المتبقية من وحي الطفولة.

وقد كان الفنان في طفولته يلحظ السخام والسواد المتراكم في الأفران،وكذلك النساء المتشحات بالسواد في المقابر في العاشر من عاشوراء في ذكرى مقتل الحسين ،الذي له تقاليد مهمة في بغداد حيث المواكب الحسينية والناس الذين يضربون أنفسهم بالسلاسل الحديدية.

ويتذكر رضوان:" الموكب كان عبارة خيمة ومطرزات وخطوط ثلث وكان ذلك فن بالنسبة لي" ، ومن وحي تلك الذكريان يرى المتلقى لأعمال الفنان جداريات مطبوعة بأدوات غرافيكية ،حيث الخط العربي المتكرر بالحفر على الخشب ،على الأقمشة وأحصنة ورأس للحسين ، هي محتويات الموكب والخيم التي كان العراقيون يبدعونها على مدار عشرة أيام في العاشر من عاشوراء .

"هناك في جامع كاظم ،كانت تجري الطقوس. تنطلق المواكب من كل أنحاء بغداد ، تلبس الناس السواد وتسير في مواكب كرنفالية حزينة. وفي أماكن متفرقة تعرض مسرحيات تتحدث عن كيفية مقتل الحسين. أما جامع كاظم فكان مليء بالقباب الذهبية المرصعة والواسعة .وفي باحة الجامع يأتلف الناس في اختلاط كرنفالي ،يأكلون ويشربون في طقس مهم يقول: اشرب الماء واذكر عاش الحسين"

من ذلك الموروث استفاد الفنان حسني رضوان. ولا زالت وجوه بائعات الدجاج في سوق الخضار عالقة في ذاكرته ، وكن فلاحات (عروبيات) قادمات من الريف عابقات بألوان الطبيعة.

يقول الفنان رضوان: "أول اللوحات وأول الرسومات التي شاهدتها ولفتت انتباهي ،كانت رسومات المواكب الحسينية . طرق بناء وجداريات فائق حسن وجواد سليم في ساحة التحرير شكلت بدايات موروثي البصري التي عبدت الطريق في التوجه نحو الفن عموماً ".

الفن والمكان

لعب المكان دوره في استخدام بعض المواد والأدوات لدى الفنان حسني رضوان.فمن بيروت إلى تونس وقبرص، كان الفنان يستخدم الأدوات التي يسهل حملها . وبالرغم من أنه اشتغل في أعمال فنية كبيرة إلا أن معظم أعماله في المهاجر اقتصرت على الورق الذي يسهل حمله وعلى أقمشة يمكن لفها ولم يستخدم الخشب مثلاً (كما هي تجربة الفنان تيسير بركات مثلاً).

تجربة من ورق وقماش كانت هي الغالبة من العام 1980 حتى 1994 ، فمعظم الأعمال التي قدمها حسني رضوان أنجزها على ورق وألوان مائية وأحبار.

وبعد العودة إلى الوطن فلسطين عام 1994 والاستقرار في المكان ، تخلص الفنان من هذه المشكلة فبدأ باستخدام الخشب والتراب وأشياء أخرى صار من السهل الاحتفاظ بها.

يقول رضوان:" احتفظت ببعض الأعمال المشغولة على ورق ،وفقدت الكثير منه ، وبحجكم التنقل والترحال والمعارض المتنقلة فقدت الكثير الكثير.. لكن ، حين تخلق فكرة العمل ، أجد أدواتها معها، وقد يكون ذلك ورق ، جدار ..خشب ،أو غيره .وكثير من الأعمال الفنية موجودة في الذهن وبعد عودتي للوطن فلسطين ، صار لدي فرصة أفضل لتنفيذ الكثير من الأعمال ، ويجذبني رسم التفاصيل والمقتطفات"

هناك لوحة فنية للفنان حسني رضوان هي عبارة عن قطعة ألمنيوم داخل مربع وهناك مربع آخر مشروخ بسكين. فالحفر والتجسيد واستخدام المعادن والفضاء ،مجموعة من العناصر التي استخدمها الفنان رضوان.أقحم أشياء كثيرة في مكان واحد .أقحم متناقضات . ويفصح عن سر ذلك قائلاً:" أعمل مثل هذه الأعمال لتحقيق نزوات داخلية ، أرغب في إعادة خلق الأشياء التي أحبها .هناك أحافير ومشاهد بصرية تراثية ، جدران ، وأشياء صدئة، لقيات ،هناك عالم مبهم، ولكنه إعادة تكوين وخلق لذلك العالم(المخزون) في الذاكرة"

ويظهر من خلال المتابعة لأعمال حسني رضوان أنها لا تحمل عناوين(بلا عنوان)ولكنها تجسد ما يريده هو، فهو يحاول استخراج العالم الذي بداخلة ، وهو عالم مبهم ، أجزاء من مقتطفات أثرت في بصره ،وفضاء تجريدي بلا قوانين.إنه يحاول إيجاد توازن بين مخيلته والعالم.

بعض اللوحات الواقعية التي أنجزها الفنان كانت عبارة عن مادة أولية لصياغة عوالم داخلية تجوب في أعماقه ، واستخراجها قد يقدم له نوع من اللذة والتوازن مع عالمه الخارجي. وهذه ما يؤكده حين يقول :"أحاول صنع أشياء ،أحس أنني خلقتها ، وغير مخلوقة سلفاً، ولهذا فإن هذه المنتوجات تفقد ملامحها الأصلية أو الحقيقية".

بعد واحد في خط عربي

كان للجدران البغدادية والخطوط العربية تأثيرات كبيرة في أعمال رضوان، فقد استخدم الخط العربي في كثير من أعماله ،وكان للخط حضور غير هامشي ضمن مجموعة أخرى من العناصر.

ويقول الفنان أنه لا يحب الأبعاد الثلاثة في الأعمال الفنية" لا أحب الأبعاد في العمل الفني ، نحن بشر بلا أبعاد". وعن سر ابتعاده في كثير من أعماله عن الواقعية يؤكد الفنان حسني رضوان التالي:" لا يمكن الكذب في الفن ، لا يمكن أن نكون غير واقعيين ،أنا لم لأعش الواقع ، فالواقع غريب نوعاً ما .ربما أحتاج لمائة عام لاشتقاق مشاهد من الواقع.في طفولتي لم أعش واقعاً حقيقياً وإنما تجريدياً ".

وفي تخطيط غرافيكي للفنان رضوان(شخص جالس على شرفه) يوحي بأن الفنان مازال يعتد بخطوطه وبتلك الأجسام التي تعيش في الفضاء بلا جاذبية . فالخطوط والسطح الواحد في الفن ليس فيه قصور عنده وإنما هو رؤية. وفي قلة الأبعاد اقتراب من الصوفية. فالأبعاد هي المادة على الأرض ، أما الصوفية فهي خروج عن هذه الأبعاد إلى السماء .والبعد الواحد توحيد للذات وفيه تعبير عن الواحد والإيمان به.

اللوحة لها بعدين (الطول والعرض) أما البعد الثالث فهو العمق . أما داخل اللوحة فلا يوجد أبعاد .وما وضع العمل الفني في إطار إلا لتحديد الرؤية . ويدافع عن ذلك عندما يقول "الغيم لا يوجد له أبعاد، أي طول وعرض". وتظهر الأبعاد في أعمال حسني رضوان على شكل خدوش متداخلة مكونة من جلود وخطوط وألمنيوم وطين ورمل وطين.

لا التزام بمدرسة فنية: تجربة شخصية

ويعتقد الفنان بأن التطور في الفن فكري أوروبي ، وأن العرب خارج السياق ، وأن ما يتمتع به الفنان العربي هو الأسلوب الشخصي(بالرغم من وجود المقلدين) " كل ما ننتجه هو تجربة شخصية محضة، والمدارس هي مادة أولية لتعريفنا بالفن فقط ولإغناء التجربة الشخصية. تجربتي محض شخصية ، طبعاً الفن العالمي أفادني باستخدام تقنيات وأفكار فنية ، استفدت منه في بلورة التجربة الشخصية".

ويضرب حسني رضوان مثلا لتأكيد مقولته وهو أن الفن الأوروبي استخدم "التكوين المترابط installation " وأن الفنانين العرب استخدموا هذا الأسلوب كنوع من التقليد ، واقترح الفنان رضوان استخدام التكوين بحيث يكون متوافقاً مع الرغبة الداخلية للفنان.

ويضيف حسني رضوان دفاعاً عن خصوصيته: الرغبة العميقة في الخلق أفضل بكثير من التعامل مع الأشياء كموضة ، والعمل الناجح هو الذي يتعامل مع الرغبة في الخلق. الرغبة الداخلية هي تحصيل حاصل للاستنتاجات الفكرية للفنان وتأثره بالمحيط وبمشاعره ونزواته، كل ذلك يجتمع بتحقق الرغبة الداخلية بإنجاز العمل".



عبق الألوان وقصائد من الحجر

الألوان مادة مدروسة لدى الفنان حسني رضوان ، وقد حاول في معظم أعماله منح اللون طاقته القصوى تماما كما فعل في رسم أبنية مدينة رام الله التاريخية الفلسطينية ، ويلاحظ ذلك في معرضه الذي افتتح في مركز خليل السكاكيني الثقافي في رام الله يوم 17/12/2003 تحت عنوان " قصائد من الحجر" ، ونجد الطاقة المتوهجة والأبدية في ألوان شبابيك وجدران وأبواب وقباب أبنية رام الله ، وقد كتب في كتالوج المعرض " استطعت أن أبحث في مسافة أخرى، مسافة ليس للفكر فيها فضاء ، وإنما اللعب والمتعة في العبث بالألوان المائية ، لمشاهد تكاد تكون تاريخاً مليء بالروايات وإمكانية البقاء" .ويضيف " اتخذت من تلك البيوت الفضاءات التي تجسد معنى رام الله، ربما لأنني أحسست بأنها قصائد من حجر باقية على قوافي الزمن".

حاول الفنان رضوان تفكيك الألوان واستخدم الطاقات الكامنة في مضامينها ، وهناك معان كثيرة للألوان.كما أن اللون عبارة عن طاقة متعددة الأوجه، ويقوم الفنان باستخدام الطاقة لنحقيق ما يريد. يقول رضوان:"اللون أساس العمل الفني ، هو الفضاء وهو التضاد contrast وهو الإحساس والتناغم البصري".

إنه ،أي الفنان يستخدم الألوان التي تشكل "فسيفساء الروح" ،إذ أنه يستخدم الألوان كجزء من البنية البصرية ومن بنية الروح.

تجريدي خاص

ويواجه الفنان حسني رضوان المتهمين له بالتجريدية الصرفة، بأنه إذا ما كان ضرورة لذلك يقوم باقحام أجسام واقعية أو خط عربي مألوف إلى تجريداته الخاصة ، أي أنه واقعي وقتما يريد وكما يريد هو..

وعند التأمل في بعض لوحاته ، نجد أن الفنان رضوان قد استخدم الألمنيوم مع الطين المجبول بالغراء ومادة الفيكسر fixer كمادة لاصقة للتثبيت وكي تدون العناصر مع الزمن، ونلحظ إلى جانب ذلك بصمات خيش وأبواب أعاد الفنان تشكيلها بصرياً.

أعمال فنية لا لوحات

ويعترض حسني رضوان على تسمية أشغاله اليدوية بأنها "لوحات" ويفضل استخدام تعبير "أعمال فنية" فالعمل الفني أكثر من لوحة .فمفهوم اللوحة من وجهة نظره محدود المعنى وهو العمل الذي يعلق على حائط، بينما العمل الفني يحتمل أمكنة أخرى غي الحائط ، ويتكون من مواد أخرى لا تجتمع في مستطيل أو مربع. فهناك أعمال تلقى على الأرض . يقول :" هناك رغبة بأن يكون العمل الفني جزء من الحياة أو المواد المستخدمة يومياً، ولكن السهل أن يكون مكانه على الحائط" .

كما يرى الفنان أنه لم يقم بأعمال فنية نحتية يلف حولها المتلقي والسر في ذلك أنه لا يوجد لدى الفنان مرسم مريح وليس لديه شخصياً تفرغ للفن، وأنه يتحين الفرص لإنجاز أعماله الفنية وأنه منهمك في مجال التصميم الغرافيكي والنشر ،لأنه لا توجد مناخات كافية لحماية الفنان،وهذه الظروف تؤثر في عطاء وانتاج وتطور الفنان الفلسطيني. ويقول الفنان رضوان موضحاً " طوّعت العمل الفني لحدود إمكانياتي".

الواقعية المطلوبة والأبعاد المتعددة

ليس لدى الفنان أي اعتراض على الواقعية في الفن مع أنه ينعتها بأنها شبيهة بالتصوير الفوتوغرافي . ويقول أنه يحاول إفساح المجال للتجارب الأكثر اقتراباً من الواقع ، ولن الأمر يحتاج لظروف مريحة وجرأة . ويفترض رضوان أن الجرأة متوفرة لديه . ويعترف بأنه تطور في أعمال تكثر فيها السطوح ، وأن ملحاحية تجسيد أجسام غير ملح لديه ،إلا أن الرغبة موجودة. ويرى أن هناك كثير من التفاصيل تحتاجها السطوح لديه نحو سطوح ذات بعدين أو أكثر.

ويقول أن لديه تجربة مع الأبعاد المتعددة في بعض الأعمال الفنية وأنه قد تعرض بعضها للتلف عام 2002 على يد الاحتلال الإسرائيلي وبعضها تم إنقاذه للعرض في بلدية رام الله.

الغرافيكي

يعشق حسني رضوان الغرافيك وهذا سر التصاقه بالتصميم الغرافيكي عبر الكمبيوتر، فالغرافيك رسم بالحبر على ورق رسم " يعطي لحركة الخطوط نوع من السلاسة التي من الممكن أن تفصح عن الخطوط الداخلية وسياق المشاعر داخل الإنسان" ،كما يقول.

فالخطوط الغرافيكية بالنسبة للفنان تنتمي إلى ذلك الفضاء الذي لا أبعاد له ولا تجسيد للحجم ، بل هي خطوط غير مقفلة وغير منتهية " أعمالي هي شظايا للأشياء وصعبة الإمساك" –يقول رضوان.

ويعتقد الفنان أيضاً بأن التشظي هو تعبير وجودي ، عن انسيابية الأشياء وتداخلها. والتشظي يعكس حالة من الحرية لديه وهو يشير إلى رغبة في التحرر الذاتي أو تحرير الأشياء من القيود . والغرافيك بالنسبة إليه "خط غير مقفل ، انسياب، نبع غير معروف مصباته ،عالم طليق" .

الإعلام في التشكيل

ومن يتابع بصريا أعمال الفنان حسني رضوان يكتشف العلاقة الوطيدة أو الميل الجارف لديه لفن الإعلان والغرافيك والتصميم .فالإعلان هو توصيل الفكرة لأكبر عدد من الناس ،إعلان على الملأ . والغرافيك استنساخ العمل الواحد إلى عدد أكبر ؛ وهو خروج من الصالون ، وله علاقة بالاتصال العام..

والفنان المعاصر المواكب لروح العصر استخدم الغرافيك كونه إعلام واتصال. فالصينيون الذين اكتشفوا الطباعة على الخشب ، طبعوا كتاباتهم البوذية على الخشب ليتم تكرارها على قماش أو نحوه. والتصاق الفنان رضوان بالغرافيك ليس صدفة وإنما هو تعبير عن حالة وجدانية وروحية وانتماء للشرق "جذوري في الشرق وليس الغرب على الصعيد الفني".

ويعترف رضوان بشغفه بالإعلامي في الفن وبما هو اتصالي ، حين يقول" أحببت الفن المطبوع، الملصق ،الغرافيك، فن المطبوعات، واستخدام أكليشيهات وغير ذلك" .ولا عيب في ذلك ،ففي هذا التوجه والإيمان بعد ٌ عصري حضاري وإنساني. فهذه الأعمال متحررة من أسر الإطار والزجاج . والأعمال الغرافيكية متعايشة مع البشر حتى أثناء تعليقها على جدار ونلحظ انشداد المتلقي- الإنسان العفوي إليها. ولا يجوز إنكار الإضافات البصرية الجمالية التي تضفيها الطباعة على الأعمال الفنية.

إشكالية التلقي

يعترف الفنان حسني رضوان بأن العلاقة مع المتلقي علاقة عقيمة إذا لم يستخدم فيها أدوات معلوماتية . وبما أن الذوق العام وتطوره البطيء يعمل فجوة ويحدث هوة بين المتلقي والفنان . فإن على الفنان أن يطلب فهماً جيداً لأعماله . ولا يكون ذلك بتبسيط الأشياء والنزول إلى ذوق المتلقي وإنما يتم ذلك بجعل المتلقي يتعود على طريقة طرح الموضوعات الفنية في هذا القالب دون ذاك.

يقول حسني رضوان"يحتاج المتلقي العادي لتربية بصرية". أما المتلقي الخبير الذي يلم –مثلاً- بالفن في الحضارات المتعددة والضرورات الجمالية ، فإن هذه الخبرة المسبقة قد تساعده في فهم واستيعاب الأعمال الفنية وتمتعه بها.

ويرى الفنان رضوان أن الفنان وحده لا يمكنه تحقيق أقصى عمليه تلق واع للإعمال الفنية وإنما يحتاج من أجل تحقيق ذلك إلى مناخات مساعدة عامة تهيئها الجامعات وصالات العرض ووسائل الإعلام والمدارس والكتب. وكل هذه العوامل المساعدة تشكل البنية التحتية في عملية التذوق الفني.

"المدارس لدينا لا تبذل جهداً كي يبقى الفن حاضراً في مناهجها ،وتاريخ الفن ليس له حضور، ولا يوجد متاحف، والأجيال تتربى على فنون سطحية تخرب الذوق الجمالي.إن عكس الصورة وعملية التفعيل المطلوبة عبر الجامعات ووسائل الإعلام هي التي تصنع جيلاً قادراً على التلقي الفاعل والإيجابي".

ويضيف رضوان:"الفن يهذب الناس ويمتعهم ويزيدهم إنسانية.وإذا لم يحقق الفن ذلك فيعني أن لا أهمية له. والفن لعب دوراً في حضارة وذوق المجتمعات ، ولعب دوراً مهما في فهمنا للتاريخ . تمكن النحات من صنع الآلهة وأن يرسم لنا أعداء الإنسان على الجدران ".

العمل في العزلة

يعمل الفنان في عزلة في الغالب ويهدف إلى توصيل ذاته ،فكرته . وفي الوقت الذي ينشغل السياسي والعسكري والمدني بالحروب منذ بداية التاريخ ويطمح هؤلاء إلى تحقيق ذواتهم بعدة أشكال ، كالسلطة وإقامة المجتمع ، يقوم الفنان بمواكبة هذه التوجهات عن كثب وبفاعلية ولكنه في أعماله الفنية يجسد في الغالب ما هو الأنا ، لأنه يعمل في الغالب وحيداً . ويؤكد ذلك الفنان حسني رضوان في قوله: "شغل الفنان الشاغل هو ، من "أنا" ويقدمها للآخرين حتى يجدوا ذواتهم فيها. وبذلك يكون الفنان قد أوجد الجسور وقد يحقق الوحدة بينه وبين المتلقي".

وتحقيق أقصى عملية تلقي للعمل الفني يكون باشراك المتلقي في ثيمة العمل الأساسية بأن يكون في موضوعها من خلال ذات الفنان المطروحة في العمل الفني. فالسينما قد تلجأ إلى الواقعية المزيفة للوصول إلى المتلقي ، ولكن المتعة الحقيقية تكون عندما يرى المتلقي نفسه في الفيلم السينمائي ، في القصة نفسها .

إن توحد "الأنا" في الـ "نحن / الكل" هو الذي يحقق مسألة الاندماج الاجتماعي (القبول /التلقي) ، وبالتالي ، فإن عملية التقبّل(التلقي ) مسألة جدلية ذات أبعاد متعددة .فمثلما أن العبادة هي نوع من التوحد مع الذات الإلهية وليس خنوعاً له،يأتلف البشر على عبادة الواحد حتى يجدوا قوتهم فيه ووحدتم منه ؛ وبالمثل تستخدم أماكن العبادة القباب للتكسر القوة والرفض لدى الأفراد فهي التي تمتص قوتهم ورفضهم وتشعرهم بالخشوع، ويستخدم الأورغ في الكنائس لنزع الشحنة السالبة والرفض وتليين القوة وسحب الشحنات السالبة كي يتوحد المؤمن مع الله والمكان ويصبح جزءاً من المكان. إذن جدلية توحد المرسل بالمتلقي تقترب من جدلية توحد "الأنا" بالكل ، وجدلية توحد الفنان بالمتلقي.



مثلثات صوفية

يستخدم حسني رضوان المثلثات في أعماله الفنية . فالمثلث أساسه الإنسان الجالس ، ويرمز المثلث للقوة ، ويرمز للخصوبة عند المرأة . والمثلث في الزخرف القديم (الفرعوني والإسلامي) هو شكل البيت بعلاقته مع الآلهة. فالزقورة السومرية والهرم العربي تفسر وتوضح بأن الكل للواحد والواحد للكل.

يقول رضوان:"أنا استخدم المثلث كرمز شكلي وليس فلسفياً" ويستخدم البوذيون المثلث الذي هو واسطة بين الأرض والسماء في علاقة كهرومغناطيسية لاستخدام الطاقة، فالرأس المدبب يفرغ الطاقة لحفظ ما في داخله. فالرؤوس المدببة تحفظ الداخل وتشتت الشحنات . والطاقة عند البوذيين تجعل الإنسان كسولاً وتفريغ الطاقة يجعله أكثر نشاطاً . ويكون لجوء الفنان لمثلثات في أعماله كأنه يبحث عن قوة ما لدى الفلسطيني الذي ينبغي أن يحافظ على وجوده من الرضوخ والضعف.
 
لا يوجد تعليقات!
اضف تعليق

التعليق الذي يحتوي على تجريح أو تخوين أو إتهامات لأشخاص أو مؤسسات لا ينشر ونرجو من الأخوة القراء توخي الموضوعية والنقد البناء من أجل حوار هادف